وَعَطْفُ جُمْلَةِ فَاسْتَجابَ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَجَّلَ إِجَابَةَ دُعَائِهِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ. وَاسْتَجَابَ: مُبَالَغَةٌ فِي أَجَابَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله: فَاسْتَعْصَمَ [سُورَة يُوسُف: 32] .

وَصَرْفُ كَيْدِهِنَّ عَنْهُ صَرْفُ أَثَرِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ ثَبَّتَهُ عَلَى الْعِصْمَةِ فَلَمْ يَنْخَدِعْ لِكَيْدِهَا وَلَا

لِكَيْدِ خَلَائِلِهَا فِي أَضْيَقِ الْأَوْقَاتِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فِي مَوْضِعِ الْعلَّة ل فَاسْتَجابَ الْمَعْطُوفِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، أَيْ أَجَابَ دُعَاءَهُ بِدُونِ مُهْلَةٍ لِأَنَّهُ سَرِيعُ الْإِجَابَةِ وَعَلِيمٌ بِالضَّمَائِرِ الْخَالِصَةِ.

فَالسَّمْعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِجَابَةِ الْمَطْلُوبِ، يُقَالُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَتَأْكِيدُهُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ لِتَحْقِيقِ ذَلِك الْمَعْنى.

[35]

[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 35]

ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)

ثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ، كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ فَإِنَّ مَا بَدَا لَهُمْ أَعْجَبُ بَعْدَ مَا تَحَقَّقَتْ بَرَاءَتُهُ. وَإِنَّمَا بَدَا لَهُمْ أَنْ يَسْجُنُوا يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ شَاعَتِ الْقَالَةُ عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي شَأْنِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَقِبَ انْصِرَافِ النِّسْوَةِ لِأَنَّهَا خَشِيَتْ إِنْ هُنَّ انْصَرَفْنَ أَنْ تَشِيعَ الْقَالَةُ فِي شَأْنِهَا وَشَأْنِ بَرَاءَةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَرَامَتْ أَنْ تُغَطِّيَ ذَلِكَ بِسِجْنِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَتَّى يَظْهَرَ فِي صُورَةِ الْمُجْرِمِينَ بِإِرَادَتِهِ السُّوءَ بِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَهِيَ تَرْمِي بِذَلِكَ إِلَى تَطْوِيعِهِ لَهَا. وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تُوهِمَ النَّاسَ بِأَنَّ مُرَاوَدَتَهُ إِيَّاهَا وَقَعَتْ يَوْمَ ذَلِكَ الْمَجْمَعِ، وَأَنْ تُوهِمَ أَنَّهُنَّ شَوَاهِدُ عَلَى يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ لِجَمَاعَةِ الْعَزِيزِ مِنْ مُشِيرٍ وَآمِرٍ.

وَجُمْلَةُ لَيَسْجُنُنَّهُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وَهِيَ مُعَلِّقَةُ فِعْلَ بَدا عَنِ الْعَمَلِ فِيمَا بَعْدَهُ لِأَجْلِ لَامِ الْقَسَمِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ لَامِ الْقَسَمِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. وَفِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015