الَّتِي اجْتُلِبَتْ لِأَجْلِهَا عَلَى يَاءِ التَّصْغِيرِ دَلَالَةً عَلَى الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ. وَحَذْفُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْمُنَادَى الْمُضَافِ شَائِعٌ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَ فِي إِبْقَائِهَا ثِقَلٌ كَمَا هُنَا، لِأَنَّ الْتِقَاءَ يَاءَاتٍ ثَلَاثٍ فِيهِ ثِقَلٌ.
وَهَذَا التَّصْغِيرُ كِنَايَةٌ عَنْ تَحْبِيبٍ وَشَفَقَةٍ. نَزَّلَ الْكَبِيرَ مَنْزِلَةَ الصَّغِيرِ لِأَنَّ شَأْنَ الصَّغِيرِ أَنْ يُحَبَّ وَيُشْفَقَ عَلَيْهِ. وَفِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ إِمْحَاضِ النُّصْحِ لَهُ.
وَالْقَصُّ: حِكَايَةُ الرُّؤْيَا. يُقَالُ: قَصَّ الرُّؤْيَا إِذَا حَكَاهَا وَأَخْبَرَ بِهَا. وَهُوَ جَاءَ مِنَ الْقَصَصِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا.
وَالرُّؤْيَا- بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ- هِيَ: رُؤْيَةُ الصُّوَرِ فِي النَّوْمِ، فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْيَقَظَةِ بِاخْتِلَافِ عَلَامَتَيِ التَّأْنِيثِ، وَهِيَ بِوَزْنِ الْبُشْرَى وَالْبُقْيَا.
وَقَدْ عَلِمَ يَعْقُوبُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْعَشَرَةَ كَانُوا يَغَارُونَ مِنْهُ لِفَرْطِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ خُلُقًا وَخَلْقًا، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ الرُّؤْيَا إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا، وَعَلِمَ أَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَا تُؤْذِنُ بِرِفْعَةٍ يَنَالُهَا يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى إِخْوَتِهِ الَّذِينَ هُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَخَشِيَ إِنْ قَصَّهَا يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَيْهِمْ أَنْ تَشْتَدَّ بِهِمُ الْغَيْرَةُ إِلَى حَدِّ الْحَسَدِ،
وَأَنْ يَعْبُرُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيَنْشَأُ فِيهِمْ شَرُّ الْحَاسِدِ إِذَا حَسَدَ، فَيَكِيدُوا لَهُ كَيْدًا لِيَسْلَمُوا مِنْ تَفَوُّقِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ فِيهِمْ.
وَالْكَيْدُ: إِخْفَاءُ عَمَلٍ يَضُرُّ الْمَكِيدَ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [183] .
وَاللَّامُ فِي لَكَ لِتَأْكِيدِ صِلَةِ الْفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ كَقَوْلِهِ: شَكَرْتُ لَكَ النُّعْمَى.
وَتَنْوِينُ كَيْداً لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّهْوِيلِ زِيَادَةٌ فِي تَحْذِيرِهِ مِنْ قَصِّ الرُّؤْيَا عَلَيْهِمْ.
وَقَصَدَ يَعْقُوبُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ ذَلِكَ نَجَاةَ ابْنِهِ مِنْ أَضْرَارٍ تَلْحَقُهُ، وَلَيْسَ قَصْدُهُ إِبْطَالَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا فَإِنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ أَضْرَارٍ وَمَشَاقَّ. وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بَنِيهِ لَمْ يَبْلُغُوا فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَ غَوْصِ النَّظَرِ الْمُفْضِي إِلَى أَنَّ الرُّؤْيَا إِنْ كَانَتْ