وَلِيَنْتَقِلَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ إِلَى تَسْلِيَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى مَكْرِ أُولَئِكَ، وَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَلَى جَزَائِهِمْ وَأَنَّ اللَّهُ عَالِمٌ بِبَذْلِ النَّبِيءِ جُهْدَهُ فِي التَّبْلِيغ.
[13]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13)
أَمْ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى (بَلِ) الَّتِي لِلْإِضْرَابِ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إِلَى آخَرَ، إِلَّا أَنَّ (أَمْ) مُخْتَصَّةٌ بِالِاسْتِفْهَامِ فَتُقَدَّرُ بَعْدَهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ. وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ أَيَقُولُونَ افتراه.
والإضراب انتقالي فِي قُوَّةِ الِاسْتِئْنَافِ الِابْتِدَائِيِّ، فَلِلْجُمْلَةِ حُكْمُ الِاسْتِئْنَافِ. وَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إِبْطَالِ مَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا كَلَامٌ مُفْتَرًى، وَقَرَّعَهُمْ بِالْحُجَّةِ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ.
وَالِافْتِرَاءُ: الْكَذِبُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ لِصَاحِبِهِ، فَهُوَ الْكَذِبُ عَنْ عَمْدٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [103] .
وَجُمْلَةُ قُلْ فَأْتُوا جَوَابٌ لِكَلَامِهِمْ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَلَى مَا هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمُحَاوَرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حِكَايَةُ الْمُحَاوِرَةِ بِصِيغَةِ حِكَايَةِ الْقَوْلِ أَوْ كَانَتْ أَمْرًا بِالْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [الْبَقَرَة: 30] . وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي (افْتَرَاهُ) عَائِدٌ إِلَى النبيء- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام- الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ [هود: 12] . وَضَمِيرُ الْغَائِبِ الْبَارِزِ الْمَنْصُوبِ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ:
بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ [هود: 12] .
وَالْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ: جَلْبُهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِالِاسْتِرْفَادِ مِنَ الْغَيْرِ أَمْ بِالِاخْتِرَاعِ مِنَ الْجَالِبِ وَهَذَا تَوْسِعَةٌ عَلَيْهِمْ فِي التَّحَدِّي.