وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)
عَطْفٌ عَلَى قُلْ أَيْ بَلِّغِ النَّاسَ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ، أَيِ اتَّبِعْ فِي نَفْسِكَ وَأَصْحَابِكَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ. واصْبِرْ أَيْ عَلَى مُعَانَدَةِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِقَرِينَةِ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ فَإِنَّهَا غَايَةٌ لِهَذَا الصَّبْرِ الْخَاصِّ لَا لِمُطْلَقِ الصَّبْرِ.
وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ يَقْتَضِي فَرِيقَيْنِ حَذَفَ مُتَعَلِّقَهُ تَعْوِيلًا عَلَى قَرِينَةِ السِّيَاقِ، أَيْ حَتَّى
يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ.
وَجُمْلَةُ: وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ثَنَاءٌ وَتَذْيِيلٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُمُومِ، أَيْ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ بَيْنَ كُلِّ خَصْمَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَفِي غَيْرِهَا، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْحاكِمِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِقَرِينَةِ التَّذْيِيلِ.
وخَيْرُ تَفْضِيلٌ، أَصْلُهُ أَخْيَرُ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَالْأَخْيَرِيَّةُ مِنَ الْحَاكِمِينَ أَخْيَرِيَّةُ وَفَاءِ الْإِنْصَافِ فِي إِعْطَاءِ الْحُقُوقِ. وَهِيَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ مُعَاقَبَةِ الظَّالِمِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّبْرِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مُعْتَدًى عَلَيْهِ، فَفِي الْإِخْبَارِ بِأَنَّ اللَّهَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ إِيمَاءٌ بِأَنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الَّذِينَ كَذَّبُوا وَعَانَدُوا. وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ فِيهِ بَرَاعَةُ الْمَقْطَعِ.