مَعَهُ الْمَنَالُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَلا يُؤْمِنُوا إلَخْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ وَجُمْلَةُ الدُّعَاءِ بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضَةٌ.
وَالْمَعْنَى: لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ فَيَسْتَمِرُّ ضَلَالُهُمْ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ. وَهَذَا تَأْوِيلُ
الْمُبَرِّدِ وَالزَّجَّاجِ. وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ عَذَابُ الْفَقْرِ وَالْجُوعِ وَعَذَابُ النَّكَدِ فِي النَّفْسِ.
وَالرُّؤْيَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِحْسَاسِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ، أَوْ مُسْتَعْمَلَةٌ كِنَايَةً عَنْ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ مُلَازِمَةٌ لِحُلُولِ الشَّيْء الْمشَاهد.
[89]
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ لِكَلَامِ مُوسَى جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ أَنْ لَا تُعْطَفَ جُمَلُهَا كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِ قَدْ وَالْفِعْلِ الْمَاضِي يُفِيدُ تَحْقِيقَ الْحُصُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَشُبِّهَ بِالْمُضِيِّ.
وَأُضِيفَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى ضَمِيرٍ التَّثْنِيَةِ الْمُخَاطَبِ بِهِ مُوسَى وَهَارُونُ وَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِنَّمَا حُكِيَتْ عَنْ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَحْدَهُ لِأَنَّ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- دَعَا لَمَّا كَانَ هَارُونُ مُوَاطِئًا لَهُ وَقَائِلًا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ دَعْوَتَهُمَا وَاحِدَةٌ. وَقِيلَ: كَانَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَدْعُو وَهَارُونُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُؤَمِّنُ.
وَمَعْنَى إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِعْطَاءُ مَا سَأَلَهُ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يَسْلِبَ عَن فِرْعَوْن وملئه النِّعَمَ، وَيُوَالِيَ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ حَتَّى يَسْأَمُوا مُقَاوَمَةَ دَعْوَةِ مُوسَى وَتَنْحَطُّ غَلْوَاؤُهُمْ،