وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الْأَنْبِيَاء: 26] وَقَالَ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ [الْأَنْعَام: 101] .
وَجُمْلَةُ: لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مُقَرِّرَةٌ لِوَصْفِ الْغِنَى بِأَنَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض ملكه، فهنو يُسَخِّرُ كُلَّ مَوْجُودٍ لِمَا خَلَقَهُ لِأَجْلِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعَانَةِ وَلَدٍ، وَلَا إِلَى تَرْفِيعِ رُتْبَةِ أَحَدٍ اسْتِصْنَاعًا لَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُلُوكُ لِقُوَّادِ جُيُوشِهِمْ وَأُمَرَاءِ أَقْطَارِهِمْ وَمَمَالِكِهِمْ لِاكْتِسَابِ مَوَدَّتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ. وَهَذَا مُسَاوٍ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [يُونُس: 66] وَدَلَّ قَوْلُهُ: لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْعُبُودِيَّةِ تُنَافِي صِفَةَ الْبُنُوَّةِ وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الْأَنْبِيَاء: 26] .
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُسْتَرَقُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِأُمِّهِ وَلِذَلِكَ يُعْتَقُ الْوَلَدُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ وَإِنْ عَلَيَا.
وَجُمْلَةُ: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا جَوَابٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِمُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً فَلِذَلِكَ
فُصِلَتْ كَمَا فُصِلَتْ جُمْلَةُ سُبْحانَهُ، فَبَعْدَ أَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ، سَجَّلَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ.
وإِنْ حَرْفُ نَفْيٍ. ومِنْ مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ بِالِاسْتِغْرَاقِ، أَيِ اسْتِغْرَاقِ نَفْيِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحُجَّةِ قَوِيِّهَا وَضَعِيفِهَا، عَقْلِيِّهَا وَشَرْعِيِّهَا.
وَ (عِنْدَ) هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا. شَبَّهَ وُجُودَ الْحُجَّةِ لِلْمُحْتَجِّ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانِهِ، وَالْمَعْنَى:
لَا حُجَّةَ لَكُمْ.
وسُلْطانٍ مَحَلُّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ عِنْدَكُمْ وَاشْتَغَلَ آخِرُ الْمُبْتَدَأِ عَنِ الضَّمَّةِ بِكَسْرَةِ حَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدَةِ.