وَالظَّنُّ: هُنَا اسْمٌ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لَمْ يُقْصَدْ تَعْلِيقُهُ بِمَظْنُونٍ مُعَيَّنٍ، أَيْ شَأْنُهُمُ اتِّبَاعُ الظُّنُونِ. وَالْمُرَادُ بِالظَّنِّ هُنَا الْعِلْمُ الْمُخْطِئُ.
وَقَدْ بَيَّنَتِ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا أَنَّ ظَنَّهُمْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.
وَالْخَرْصُ: الْقَوْلُ بِالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [116] وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.
[67]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [يُونُس: 66] وَجُمْلَةِ: قالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَداً
[يُونُس: 68] جَاءَتْ مَجِيءَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى فَسَادِ ظَنِّهِمْ وَخَرْصِهِمْ بِشَوَاهِدِ خَلْقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الْمُشَاهَدِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْعُمْرِ مَرَّتَيْنِ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْ دَلَالَتِهِ، وَهُوَ خَلْقُ نِظَامِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ.
وَكَيْفَ كَانَ النَّهَارُ وَقْتًا يَنْتَشِرُ فِيهِ النُّورُ فَيُنَاسِبُ الْمُشَاهَدَةَ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ فِي حَرَكَاتِ أَعْمَالِهِمْ إِلَى إِحْسَاسِ الْبَصَرِ الَّذِي بِهِ تَتَبَيَّنُ ذَوَاتُ الْأَشْيَاءِ وَأَحْوَالُهَا لِتَنَاوُلِ، الصَّالِحِ مِنْهَا فِي الْعَمَلِ وَنَبْذِ غَيْرِ الصَّالِحِ لِلْعَمَلِ.
وَكَيْفَ كَانَ اللَّيْلُ وَقْتًا تَغْشَاهُ الظُّلْمَةُ فَكَانَ مُنَاسِبًا لِلسُّكُونِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ فِيهِ إِلَى الرَّاحَةِ مِنْ تَعَبِ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَدَحُوا لَهَا فِي النَّهَار. فاكانت الظُّلْمَةُ بَاعِثَةً النَّاسَ عَلَى الرَّاحَةِ وَمُحَدِّدَةً لَهُمْ إِبَّانَهَا بِحَيْثُ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْفَطِنُ وَالْغَافِلُ.