فَإِنَّ ذَلِكَ عَذَابُ الدُّنْيَا وَأَمَّا عَذَابُ الْخُلْدِ فَهُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا، فَذَلِكَ مَوْقِعُ عَطْفِ جُمْلَتِهِ بِحَرْفِ (ثُمَّ) .

وَصِيغَةُ الْمُضِيِّ فِي قَوْلِهِ: قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ مِثْلَ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: 1] .

وَالَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ الْقَائِلُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ [يُونُس: 48] . وَأَظْهَرَ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِتَسْجِيلِ وَصْفِ الظُّلْمِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ ظُلْمُ النَّفْسِ بِالْإِشْرَاكِ. وَمَعْنَى ظَلَمُوا: أَشْرَكُوا.

وَالذَّوْقُ: مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِحْسَاسِ، وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَلْ تُجْزَوْنَ إِنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ.

وَجُمْلَةُ: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ جُمْلَةَ: ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ تُثِيرُ سُؤَالًا فِي نُفُوسِهِمْ عَنْ مِقْدَارِ ذَلِكَ الْعَذَابِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ فَظَاعَةِ مَا كَسَبُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ مَعَ إِفَادَةِ تَعْلِيلِ تَسْلِيطِ الْعَذَاب عَلَيْهِم.

[53]

[سُورَة يُونُس (10) : آيَة 53]

وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)

هَذَا حِكَايَةُ فَنٍّ مِنْ أَفَانِينِ تَكْذِيبِهِمْ، فَمَرَّةً يَتَظَاهَرُونَ بِاسْتِبْطَاءِ الْوَعْدِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، وَمَرَّةً يُقْبِلُونَ عَلَى الرَّسُولِ فِي صُورَةِ الْمُسْتَفْهِمِ الطَّالِبِ فَيَسْأَلُونَهُ: أَهَذَا الْعَذَابُ الْخَالِدُ، أَيْ عَذَابُ الْآخِرَةِ، حَقٌّ.

فَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ [يُونُس: 48] ، وَضَمِيرُ الْجَمْعِ عَائِدٌ إِلَيْهِمْ فَهُمُ الْمُسْتَنْبِئُونَ لَا غَيْرُهُمْ، وَضَمِيرُ (هُوَ) عَائِدٌ إِلَى عَذابَ الْخُلْدِ [يُونُس: 52] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015