وَإِذَا عُدِّيَ بِ (عَنْ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَجَاوَزَ عَنْ تَقْصِيرِهِ أَوْ عَنْ ذَنْبِهِ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ

اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ

[التَّوْبَة: 96] .

فَالْقَوْلُ هَنَا مُرَادٌ بِهِ الْكَلَامُ مَعَ الِاعْتِقَادِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اللَّازِمِ مَعَ جَوَازِ إِرَادَةِ الْمَلْزُومِ، فَإِذَا أَضْمَرُوا ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ فَذَلِكَ مِنَ الْحَالَةِ الْمَمْدُوحَةِ وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ فِي مُقَابَلَةِ حِكَايَةِ اللَّمْزِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَاللَّمْزُ يَكُونُ بِالْكَلَامِ دَلَالَةً عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، جَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنَ الْكَلَامِ كِنَايَةً عَنِ الرِّضَى.

وَجُمْلَةُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ حَسْبُنَا اللَّهُ لِأَنَّ كِفَايَةَ الْمُهِمِّ تَقْتَضِي تَعَهُّدَ الْمَكْفِي بِالْعَوَائِدِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ، وَالْإِيتَاءُ فِيهِ بِمَعْنَى إِعْطَاءِ الذَّوَاتِ.

وَالْفَضْلُ زِيَادَةُ الْخَيْرِ وَالْمَنَافِعِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [غَافِر: 61] وَالْفَضْلُ هُنَا الْمُعْطَى: مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ الْمَفْعُولِ، بِقَرِينَةِ مِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ، وَلَوْ جُعِلَتْ مِنْ ابْتِدَائِيَّةً لَصَحَّتْ إِرَادَةُ مَعْنَى الْمَصْدَرِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ تَعْلِيلٌ. أَيْ لِأَنَّنَا رَاغِبُونَ فَضْلَهُ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الْقَصْرِ، أَيْ إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ: إِنَّا رَاغِبُونَ إِلَى مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ لَنَا لَا نَطْلُبُ إِعْطَاءَ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّنَا.

وَالرَّغْبَةُ الطّلب بتأدب.

[60]

[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 60]

إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)

هَذِهِ الْآيَةُ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ [التَّوْبَة: 58] وَجُمْلَةِ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النبيء [التَّوْبَة: 61] الْآيَةَ. وَهُوَ اسْتِطْرَادٌ نَشَأَ عَنْ ذِكْرِ اللَّمْزِ فِي الصَّدَقَاتِ أُدْمِجَ فِيهِ تَبْيِينُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015