وَفِي ذِكْرِ خِلالَكُمْ مَا يَصْلُحُ لِتَشْبِيهِ اسْتِقْرَائِهِمُ الْجَمَاعَاتِ وَالْأَفْرَادَ بِتَغَلْغُلِ الرَّوَاحِلِ فِي خِلَالِ الطُّرُقِ وَالشِّعَابِ.
وَالْخِلَالُ: جَمْعُ خَلَلٍ بِالتَّحْرِيكِ. وَهُوَ الْفُرْجَةُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِمَعْنَى بَيْنَكُمْ تَشْبِيهًا لِجَمَاعَاتِ الْجَيْشِ بِالْأَجْزَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ.
وَكتب كلمة ولَأَوْضَعُوا فِي الْمُصْحَفِ- بِأَلِفٍ بَعْدَ هَمْزَةِ أَوْضَعُوا- الَّتِي فِي اللَّامْ أَلِفْ بِحَيْثُ وَقَعَ بَعْدَ اللَّامِ أَلِفَانِ فَأَشْبَهَتِ اللَّامْ أَلِفْ لَا النَّافِيَةَ لِفِعْلِ أَوْضَعُوا وَلَا يُنْطَقُ بِالْأَلِفِ الثَّانِيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فَلَا يَقَعُ الْتِبَاسٌ فِي أَلْفَاظِ الْآيَةِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنَّمَا وَقَعُوا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْفَتْحَةَ فِي الْعِبْرَانِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْأَلْسِنَةِ تُكْتَبُ أَلِفًا. وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «يُحْتَمَلُ أَنْ تُمْطَلَ حَرَكَةُ اللَّامِ فَتَحْدُثُ أَلِفٌ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَمْزَةِ الَّتِي مِنْ أَوْضَعَ، وَقِيلَ:
ذَلِكَ لِخُشُونَةِ هِجَاءِ الْأَوَّلِينَ» ، يَعْنِي لِعَدَمِ تَهْذِيبِ الرَّسْمِ عِنْدَ الْأَقْدَمِينَ مِنَ الْعَرَبِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِثْلُ ذَلِكَ كَتَبُوا لَأَذْبَحَنَّهُ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [21] قُلْتُ: وَكَتَبُوا لَأُعَذِّبَنَّهُ [النَّمْل: 21] بِلَامْ أَلِفْ لَا غَيْرَ وَهِيَ بِلَصْقِ كَلِمَةِ أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ [النَّمْل: 21] ، وَلَا فِي نَحْو
وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الْإِسْرَاء: 73] فَلَا أَرَاهُمْ كَتَبُوا أَلِفًا بَعْدَ اللَّامْ أَلِفْ فِيمَا كَتَبُوهَا فِيهِ إِلَّا لِمَقْصِدٍ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ مَفْتُوحَةٌ وَعَلَى أَنَّهَا هَمْزَةُ قَطْعٍ.
وَجُمْلَةُ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ [التَّوْبَة:
46] الْعَائِدِ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التَّوْبَة: 45] الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُنَافِقُونَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَبَغَى يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى طَلَبَ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [83] . وَعُدِّيَ يَبْغُونَكُمُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ هُنَا عَلَى طَرِيقَةِ نَزْعِ الْخَافِضِ، وَأَصْلُهُ يَبْغُونَ لَكُمُ الْفِتْنَةَ. وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ فِي فِعْلِ بَغَى بِمَعْنَى طَلَبَ.
وَالْفِتْنَةُ: اخْتِلَالُ الْأُمُورِ وَفَسَادُ الرَّأْيِ، وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْله: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ