ثُمَّ قَالَ:
أَذَاكَ أَمْ نَمِشٌ بِالْوَشْيِ أَكْرُعُهُ ... مُسَفَّعُ الْخَدِّ غَادٍ نَاشِعٌ شَبَبُ
ثُمَّ قَالَ:
أَذَاكَ أَمْ خَاضِبٌ بِالسِّيِّ مَرْتَعُهُ ... أَبُو ثَلَاثِينَ أَمْسَى وَهْوَ مُنْقَلِبُ (?)
وَرُبَّمَا عَطَفُوا بِالْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ [الزمر: 29] الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ [النَّحْل: 76] الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ:
مَا يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [فاطر:
19- 21] الْآيَةَ بَلْ وَرُبَّمَا جَمَعُوا بِلَا عَطْفٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ [الْأَنْبِيَاء: 15] وَهَذِهِ تَفَنُّنَاتٌ جَمِيلَةٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ فَمَا ظَنُّكَ بِهَا إِذَا وَقَعَتْ فِي التَّشْبِيهِ التَّمْثِيلِيِّ فَإِنَّهُ لِعِزَّتِهِ مُفْرَدًا تَعِزُّ استطاعة تكريره.
و (أَو) عَطَفَتْ لَفْظَ (صَيِّبٍ) عَلَى الَّذِي اسْتَوْقَدَ [الْبَقَرَة: 17] بِتَقْدِيرِ مَثَلِ بَيْنِ الْكَافِ وَصَيِّبٍ. وَإِعَادَةُ حَرْفِ التَّشْبِيهِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ الْمُغْنِي عَنْ إِعَادَةِ الْعَامِلِ، وَهَذَا التَّكْرِيرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِهِمْ وَحُسْنُهُ هُنَا أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ الْمُشَبَّهَيْنِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ
وَهُمْ فِي الْغَالِبِ لَا يُكَرِّرُونَهُ فِي الْعَطْفِ.
وَالتَّمْثِيلُ هُنَا لِحَالِ الْمُنَافِقِينَ حِينَ حُضُورِهِمْ مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَاعِهِمُ الْقُرْآنَ وَمَا فِيهِ مِنْ آيِ الْوَعِيدِ لِأَمْثَالِهِمْ وَآيِ الْبِشَارَةِ، فَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ تَمْثِيلُ حَالَةٍ مُغَايِرَةٍ لِلْحَالَةِ الَّتِي مُثِّلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ [الْبَقَرَة: 17] بِنَوْعِ إِطْلَاقٍ وَتَقْيِيدٍ.
فَقَوْلُهُ: أَوْ كَصَيِّبٍ تَقْدِيرُهُ أَوْ كَفَرِيقٍ ذِي صَيْبٍ أَيْ كَقَوْمٍ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ دَلَّ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْمٍ قَوْلُهُ: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَقَوْلُهُُُ: