وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ إِثْبَاتَ الِاعْتِدَاءِ الْعَظِيمِ لَهُمْ، نَشَأَ عَنِ الْحِقْدِ، الشَّيْءِ الَّذِي أَضْمَرُوهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج: 8] .
وَالْقَصْرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي اعْتِدَائِهِمْ، لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَظِيمٌ بَاطِنِيٌّ عَلَى قَوْمٍ حَالَفُوهُمْ وَعَاهَدُوهُمْ، وَلَمْ يلْحقُوا بهم ضرّ مَعَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْرَ قَلْبٍ، أَيْ: هُمُ الْمُعْتَدُونَ لَا أَنْتُم لأنّهم بدأوكم بِنَقْضِ الْعَهْدِ فِي قَضِيَّةِ خُزَاعَةَ وَبَنِي الدِّيلِ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِمَّا كَانَ سَبَبًا فِي غَزْوَة الْفَتْح.
[11]
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ.
تَفْرِيعُ حُكْمٍ عَلَى حُكْمٍ لِتَعْقِيبِ الشِّدَّةِ بِاللِّينِ إِنْ هُمْ أَقْلَعُوا عَنْ عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ لِقَصْدِ مَحْوِ أَثَرِ الْحَنَقِ عَلَيْهِمْ إِذَا هُمْ أَسْلَمُوا أَعْقَبَ بِهِ جُمْلَةَ: إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ- إِلَى قَوْلِهِ- الْمُعْتَدُونَ [التَّوْبَة: 9، 10] تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى أَنَّ تَدَارُكَهُمْ أَمْرَهُمْ هَيِّنٌ عَلَيْهِمْ، وَفَرَّعَ عَلَى التَّوْبَةِ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِخْوَانًا لِلْمُؤْمِنِينَ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ هُنَا لِذِكْرِ عَدَاوَتِهِمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ جُعِلَتْ تَوْبَتُهُمْ سَبَبًا لِلْأُخُوَّةِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ مَقَامِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التَّوْبَة: 5] حَيْثُ إِنَّ الْمُعَقَّبَ بِالتَّوْبَةِ هُنَالِكَ هُوَ الْأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ وَالتَّرَصُّدِ لَهُمْ، فَنَاسَبَ أَنْ يُفَرَّعَ عَلَى تَوْبَتِهِمْ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِسُوءٍ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ تُوجِبُ أَمْنَهُمْ وَأُخُوَّتَهُمْ.
وَمِنْ لَطَائِفِ الْآيَتَيْنِ أَنْ جُعِلَتِ الْأُخُوَّةُ مَذْكُورَةً ثَانِيًا لِأَنَّهَا أَخَصُّ الْفَائِدَتَيْنِ مِنْ تَوْبَتِهِمْ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُؤَكِّدَةً لِأُخْتِهَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِخْوانُكُمْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ. وَصِيغَ هَذَا الْخَبَرُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ: لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَهُمْ يَقْتَضِي ثَبَاتَ الْأُخُوَّةِ وَدَوَامَهَا، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ يَعُودُونَ كَالْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ مِنْ قَبْلُ فِي أَصْلِ الْأُخُوَّةِ الدِّينِيَّةِ.