مَكَّةَ ثُمَّ حُنَيْنٍ ثُمَّ الطَّائِفِ، وَحَجَّ بِالْمُسْلِمِينَ تِلْكَ السَّنَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ عَلَى الْحَجِّ وَبَعَثَ مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ صَدْرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ لِيَقْرَأَهَا عَلَى النَّاسِ (?) . ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ.
وَقَدْ يَقَعُ خَلْطٌ فِي الْأَخْبَارِ بَيْنَ قَضِيَّةِ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِيَحُجَّ بِالْمُسْلِمِينَ عِوَضًا عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَضِيَّةِ بَعْثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ اشْتَبَهَ بِهِ الْغَرَضَانِ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يتلبّس وعَلى بِمن لُبِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَأَرَدْنَا إِيقَاظَ الْبَصَائِرِ لِذَلِكَ. فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِهَا، وَذِكْرُهُ أَوَّلُ أَغْرَاضِهَا.
فَافْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِتَحْدِيدِ مُدَّةِ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ حَالَةِ حَرْبٍ وَأَمْنٍ وَفِي خِلَالِ مُدَّةِ الْحَرْبِ مُدَّةُ تَمْكِينِهِمْ مِنْ تَلَقِّي دَعْوَةِ الدِّينِ وَسَمَاعِ الْقُرْآنِ.
وَأُتْبِعَ بِأَحْكَامِ الْوَفَاءِ وَالنَّكْثِ وَمُوَالَاتِهِمْ.
وَمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحُضُورِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ.
وَإِبْطَالِ مَنَاصِبِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانُوا يَعْتَزُّونَ بِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا.
وَإِعْلَانِ حَالَةِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ.
وَإِعْلَانِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْعَرَبِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بَعِيدًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ لَا تَنْفَعُهُمْ قُوَّتُهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ.
وَحُرْمَة الْأَشْهر الْحرم.
وَضَبْطِ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِبْطَالِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَتَحْرِيضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِجَابَةِ إِلَى النَّفِيرِ لِلْقِتَالِ فِي سَبِيلِ الله، وَنصر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ اللَّهَ نَاصِرُ نَبِيِّهِ وَنَاصِرُ الَّذِينَ يَنْصُرُونَهُ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِنَصْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَبِنَصْرِهِ إِذْ أَنْجَاهُ مِنْ كَيْدِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا هَيَّأَ لَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ.