وَجُعِلَ قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ جَوَابًا لِلشَّرْطِ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ وَهُوَ عِزَّةُ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ وَإِلْفَائِهِ مُنْجِيًا مِنْ مَضِيقِ أَمْرِهِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَوَابِ وَهَذَا مِنْ وُجُوهِ الْبَيَانِ وَهُوَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

مَنْ يَلْقَ يَوْمًا عَلَى عِلَّاتِهِ هَرِمًا ... يَلْقَ السَّمَاحَةَ فِيهِ وَالنَّدَى خُلُقَا

أَيْ يَنَلْ مِنْ كَرَمِهِ وَلَا يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَقَوْلُ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْعَبْسِيِّ:

مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ

يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... بِاللَّيْلِ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْفَارِ

أَيْ مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِهِ فَسُرُورُهُ لَا يَدُومُ إِلَّا بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ يُحْزِنُهُ أَخْذُ الثَّأْرِ إِمَّا مِنْ ذَلِكَ الْمَسْرُورِ إِنْ كَانَ هُوَ الْقَاتِلَ أَوْ مِنْ أَحَدِ قَوْمِهِ وَذَلِكَ يحزن قومه.

[50، 51]

[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51)

لَمَّا وُفِّيَ وَصْفُ حَالِ الْمُشْرِكِينَ حَقَّهُ، وَفُصِّلَتْ أَحْوَالُ هَزِيمَتِهِمْ بِبَدْرٍ، وَكَيْفَ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُمُ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى ضَعْفِ هَؤُلَاءِ وَقُوَّةِ أُولَئِكَ، بِمَا شَاهَدَهُ كُلُّ حَاضِرٍ حَتَّى لَيُوقِنُ السَّامِعُ أَنَّ مَا نَالَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ إِنَّمَا هُوَ خِذْلَانٌ مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَإِيذَانٌ بِأَنَّهُمْ لَاقُونَ

هَلَاكَهُمْ مَا دَامُوا مُنَاوِئِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتُقِلَ إِلَى وَصْفِ مَا لَقِيَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، مِمَّا هُوَ مُغَيَّبٌ عَنِ النَّاسِ، لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ وَيَرْتَدِعَ الْكَافِرُونَ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا هُنَا الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ تَمَامِ الْخَبَر عَن قوم بَدْرٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015