وَاعْلَمْ أَنَّ (لَوِ) الْوَاقِعَةَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قَبِيلِ (لَوِ) الْمُشْتَهِرَةِ بَيْنَ النُّحَاةِ بَلَوِ الصُّهَيْبِيَّةِ (بِسَبَبِ وُقُوعِ التَّمْثِيلِ بِهَا بَيْنَهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (?) : «نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» وَذَلِكَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ (لَوْ) لَقَصْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَضْمُونَ الْجَزَاءِ مُسْتَمِرُّ الْوُجُودِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ، فَيَأْتِي بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ حِينَئِذٍ مُتَضَمِّنَةً الْحَالَةَ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ أَنْ يَتَخَلَّفَ مَضْمُون عِنْد حصلها الْجَزَاءِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّخَلُّفَ، فَقَوْلُهُ: «لَوْ لَمْ يَخَفِ الله لم يعصمه» الْمَقْصُودُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْعِصْيَانِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ حَتَّى فِي حَالِ أَمْنِهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَافَ فَعَصَى، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَمُ خَوْفِهِ لَمَا عَصَى، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لُقْمَان:

27] فَالْمَقْصُودُ عَدَمُ انْتِهَاءِ كَلِمَاتِ اللَّهِ حَتَّى فِي حَالَةِ مَا لَوْ كُتِبَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ كُلِّهِ وَجُعِلَتْ لَهَا أَعْوَادُ الشَّجَرِ كُلِّهِ أَقْلَامًا، لَا أَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَنْفَدُ إِنْ لَمْ تَكُنِ الْأَشْجَارُ أَقْلَامًا وَالْأَبْحُرُ مِدَادًا، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْأَنْعَام: 111] لَيْسَ الْمَعْنَى لَكِنْ لَمْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَلَا كَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَلَا حَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ فَآمَنُوا بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ إِيمَانَهُمْ مُنْتَفٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ لَا يَنْتَفِيَ عِنْدَهَا الْإِيمَانُ.

وَفِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ يَضْعُفُ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ (لَوْ) وَتَصِيرُ (لَوْ) فِي مُجَرَّدِ

الِاسْتِلْزَامِ عَلَى طَرِيقَةِ مُسْتَعْمِلَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ وَسَتَجِيءُ زِيَادَةٌ فِي اسْتِعْمَالِ (لَوِ) الصُّهَيْبِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015