أَوْ يَدْعُو إِلَى مَفَاسِدَ لَا يَظْهَرُ مَعَهَا نَفْعُ تِلْكَ الْمَصَالِحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْيِيدِ نَفْيُ الْخَيْرِ الْكَامِلِ عَنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلُوهَا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ حَقَّ الْإِيمَانِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَد: 13- 17] وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ بِغَيْرِ هَذَا عُدُولٌ بِهَا عَنْ مَهْيَعِ الْوُضُوحِ.

وَقَوْلُهُ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ هَذَا الْأَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ دَعْوَتِهِ وَهُوَ النَّهْيُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ دُونَ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَا يَتَطَلَّبُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَفِي ذَلِكَ صَلَاحُ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ أَصْلِحُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَمْنَعُوا مَنْ يَرْغَبُ فِي إِصْلَاحِ نَفْسِهِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُدُّونَ وُفُودَ النَّاسِ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِئَلَّا يُؤْمِنُوا بِهِ. فَالْمُرَادُ بِالصِّرَاطِ الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ إِلَى لِقَاءِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَالْقُعُودُ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ لَازِمَةٍ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ وَالِاسْتِقْرَارُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [16] .

وَ (كُلِّ) لِلْعُمُومِ وَهُوَ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ، أَيْ كُلِّ صِرَاطٍ مُبَلِّغٍ إِلَى الْقَرْيَةِ أَوْ إِلَى مَنْزِلِ شُعَيْبٍ

عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ (كُلِّ) مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْكَثْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، أَوْ هِيَ بِمَعْنَى (فِي) كَشَأْنِهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى أَسْمَاءِ الْمَنَازِلِ. كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

بِسِقْطِ اللِّوَى الْبَيْتَ.

وَجُمْلَةُ: تُوعِدُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَقْعُدُوا وَالْإِيعَادُ: الْوَعْدُ بِالشَّرِّ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْإِيعَادِ الصَّدُّ، فَيَكُونُ عَطْفُ جُمْلَةٍ وَتَصُدُّونَ عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ، أَوْ أُرِيدُ تُوعِدُونَ الْمُصَمِّمِينَ عَلَى اتِّبَاعِ الْإِيمَانِ، وَتَصُدُّونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَمِّمُوا فَهُوَ عَطْفُ عَامٍ عَلَى خَاصٍّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015