قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ فَهُوَ مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ فِي حِكَايَةِ كَلَامِهِمْ وَلَيْسَ مِنْ بَلَاغَةِ كَلَامِهِمْ.
ثُمَّ إِنَّ تَقْدِيمَ الْمَجْرُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ: بِما أُرْسِلَ بِهِ وبِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ عَلَى عَامِلَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَظْمِ حِكَايَةِ كَلَامِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ مُعَادِلٌ فِي كَلَامِهِمُ الْمَحْكِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَتَقَوَّمَ الْفَاصِلَتَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَحْكِيِّ: بِأَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهِمْ مَا دَلَّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِمَدْلُولِ الْمَوْصُولَيْنِ، فَجَاءَ فِي نَظْمِ الْآيَةِ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِتَقْدِيمِ الْمَعْمُولَيْنِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قالَ الْمَلَأُ بِدُونِ عَطْفٍ جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ أَمْثَالِهِ فِي حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ: وَقَالَ- بِحَرْفِ الْعَطْفِ- وَثَبَتَتِ الْوَاوُ فِي الْمُصْحَفِ الْمَبْعُوثِ إِلَى الشَّامِ خِلَافًا لِطَرِيقَةِ نَظَائِرِهَا، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى كَلَامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ وَالتَّقْدِيرُ: فَآمَنَ بِهِ بَعْضُ قَوْمِهِ، وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَخْ، أَوْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى: قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ [الْأَعْرَاف: 73] الْآيَةَ، وَمُخَالَفَةُ نَظَائِره تفنّن.
[77، 78]
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يَا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78)
الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ لِحِكَايَةِ قَوْلِ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ [الْأَعْرَاف:
76] ، أَيْ قَالُوا ذَلِكَ فَعَقَرُوا، وَالتَّعْقِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَ قَالُوا ذَلِكَ كَانُوا قَدْ صَدَعُوا بِالتَّكْذِيبِ، وَصَمَّمُوا عَلَيْهِ، وَعَجَزُوا عَنِ الْمُحَاجَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ، فَعَزَمُوا عَلَى الْمَصِيرِ إِلَى النِّكَايَةِ وَالْإِغَاظَةِ لِصَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنْ آمَنَ بِهِ، وَرَسَمُوا لِابْتِدَاءِ عَمَلِهِمْ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَى النَّاقَةِ