رُوعِيَ قَوْلُهُ: أَقَلَّتْ سَحاباً أَيْ:
سُقْنَاهُ بِتِلْكَ الرِّيحِ إِلَى بَلَدٍ، فَيَكُونُ تَمْثِيلًا لِحَالَةِ دَفْعِ الرِّيحِ السَّحَابَ بِحَالَةِ سَوْقِ السَّائِقِ
الدَّابَّةَ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِبَلَدٍ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ لِأَجْلِ بَلَدٍ مَيِّتٍ، وَفِي هَذِهِ اللَّامِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ تَعْدِيَةِ (سُقْنَاهُ) بِحَرْفِ (إِلَى) .
وَالْبَلَدُ: السَّاحَةُ الْوَاسِعَةُ مِنَ الْأَرْضِ.
وَالْمَيِّتُ: مَجَازٌ أُطْلِقَ عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي انْعَدَمَ مِنْهُ النَّبَاتُ، وَإِسْنَادُ الْمَوْتِ الْمَجَازِيِّ إِلَى الْبَلَدِ هُوَ أَيْضًا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنَّمَا هُوَ نَبَاتُهُ وَثَمَرُهُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى.
وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَأَخْرَجْنا بِهِ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْبَلَدِ، فَيَكُونُ الْبَاءُ بِمَعْنَى (فِي) وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَاءِ فَيَكُونُ الْبَاءُ لِلْآلَةِ.
وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي كُلِّ الثَّمَراتِ اسْتِغْرَاقٌ حَقِيقِيٌّ، لِأَنَّ الْبَلَدَ الْمَيِّتَ لَيْسَ مُعَيَّنًا بَلْ يَشْمَلُ كُلَّ بَلَدٍ مَيِّتٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْمَطَرُ، فَيَحْصُلُ مِنْ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَلَدِ الْمَيِّتِ جَمِيعُ الثَّمَرَاتِ قَدْ أَخْرَجَهَا اللَّهُ بِوَاسِطَةِ الْمَاءِ، وَالْبَلَدُ الْوَاحِدُ يُخْرِجُ ثَمَرَاتِهِ الْمُعْتَادَةَ فِيهِ، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ خَاصَّةً فَاجْعَلِ اسْتِغْرَاقَ كُلِّ الثَّمَرَاتِ اسْتِغْرَاقًا عُرْفِيًّا، أَيْ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَحَرْفُ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ.
وَجُمْلَةُ: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى مُعْتَرِضَةٌ اسْتِطْرَادًا لِلْمَوْعِظَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَقْرِيبِ الْبَعْثِ الَّذِي يَسْتَبْعِدُونَهُ، وَالْإِشَارَةُ بِ (كَذَلِكَ) إِلَى الْإِخْرَاجِ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ فِعْلُ فَأَخْرَجْنا بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ الْبَلَدِ مَيِّتًا، ثُمَّ إِحْيَائِهِ أَيْ إِحْيَاءِ مَا فِيهِ مِنْ أَثَرِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، فَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ إِحْيَاءٌ بَعْدَ مَوْتٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِذَلِكَ الْإِحْيَاءِ كَيْفِيَّةً قَدَّرَهَا اللَّهُ وَأَجْمَلَ ذِكْرَهَا لِقُصُورِ الْإِفْهَامِ عَنْ تَصَوُّرِهَا.
وَجُمْلَةُ: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ مستأنفة، والرّجاء ناشىء عَنِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ لِأَنَّ