وَجُمْلَةُ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً الْآيَةَ، لِأَنَّ التَّهْوِيلَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ يَسْتَرْعِي السَّامِعَ أَنْ يَسْأَلَ عَمَّا سَيُلَاقُونَهُ مِنَ اللَّهِ الَّذِي افْتَرَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ عَطْفَ بَيَانٍ لِجُمْلَةِ: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْأَعْرَاف: 36] أَيْ خَالِدُونَ الْخُلُودَ الَّذِي هُوَ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ.
وَتَكْمِلَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هِيَ جُمْلَةُ: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ الْآيَةَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَمَادَّةُ النَّيْلِ وَالنَّوَالِ وَرَدَتْ وَاوِيَّةَ الْعَيْنِ وَيَائِيَّةَ الْعَيْنِ مُخْتَلِطَتَيْنِ فِي دَوَاوِينِ اللُّغَةِ، غَيْرَ مُفْصِحَةٍ عَنْ تَوْزِيعِ مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِهَا بَيْنَ الْوَاوِيِّ وَالْيَائِيِّ، وَيَظْهَرُ أَنَّ أَكْثَرَ مَعَانِي الْمَادَّتَيْنِ مُتَرَادِفَةٌ وَأَنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنَ الْقَلْبِ فِي بَعْضِ التَّصَارِيفِ أَوْ مِنْ تَدَاخُلِ اللُّغَاتِ، وَتَقُولُ نُلْتُ- بِضَمِّ النُّونِ- مِنْ نَالَ يَنُولُ، وَتَقُولُ نِلْتُ- بِكَسْرِ النُّونِ- مِنْ نَالَ يُنِيلُ، وَأَصْلُ النَّيْلِ إِصَابَةُ الْإِنْسَانِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ بِيَدِهِ، وَنَوَّلَهُ أَعْطَاهُ فَنَالَ، فَالْأَصْلُ أَنْ تَقُولَ نَالَ فُلَانٌ كَسْبًا، وَقَدْ جَاءَ هُنَا بِعَكْسِ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّصِيبَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ، فَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ النَّصِيبُ مُنَوَّلًا لَا نَائِلًا، لِأَنَّ النَّصِيبَ لَا يُحَصِّلُ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، بَلْ بِالْعَكْسِ:
الَّذِينَ افْتَرَوْا يُحَصِّلُونَهُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها [الْحَج: 37]- وَقَوْلِهِ- سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ [الْأَعْرَاف: 152] ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِمَّا مَجَازًا مُرْسَلًا فِي مَعْنَى مُطْلَقِ الْإِصَابَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً مَبْنِيَّةً عَلَى عَكْسِ التَّشْبِيهِ بِأَنْ شَبَّهَ النَّصِيبَ بِشَخْصٍ طَالِبٍ طَلِبَةً فَنَالَهَا، وَإِنَّمَا يُصَارُ إِلَى هَذَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنَالُهُمْ شَيْءٌ يَكْرَهُونَهُ، وَهُوَ يَطْلُبُهُمْ وَهُمْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، كَمَا يَطْلُبُ الْعَدُوُّ عَدُوَّهُ، فَقَدْ صَارَ النَّصِيبُ مِنَ الْكِتَابِ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ أَنْ يُحَصِّلَ الْفَرِيقَ