إِجَابَةً لِطِلْبَةِ إِبْلِيسَ، لِأَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُجِيبَ لَهُ طَلَبًا، وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ فِي الْعُدُولِ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ: أَنْظَرْتُكَ أَوْ أَجَبْتُ لَكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَكْرِمَةٍ بِاسْتِجَابَةِ طَلَبِهِ، وَلَكِنَّهُ أَعْلَمَهُ أَنَّ مَا سَأَلَهُ أَمْرٌ حَاصِلٌ فَسُؤَالُهُ تَحْصِيل حَاصِل.

[16، 17]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17)

الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّسَبُّبِ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [الْأَعْرَاف: 13]- ثُمَّ قَوْلُهُ- إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ [الْأَعْرَاف: 15] .

فَقَدْ دَلَّ مَضْمُونُ ذَيْنِكَ الْكَلَامَيْنِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِي نَفْسِ إِبْلِيسَ مَقْدِرَةً عَلَى إِغْوَاءِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [الْأَعْرَاف: 13] وَإِنَّهُ جَعَلَهُ بَاقِيًا مُتَصَرِّفًا بِقُوَاهُ الشِّرِّيرَةُ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، فَأَحَسَّ إِبْلِيسُ أَنَّهُ سَيَكُونُ دَاعِيَةً إِلَى الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ، بِجِبِلَّةٍ قَلَبَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا قَلْبًا وَهُوَ مِنَ الْمَسْخِ النَّفْسَانِيِّ، وَإِنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ هُوَ ضَلَالٌ وَفَسَادٌ، فَصُدُورُ ذَلِكَ مِنْهُ كَصُدُورِ النَّهْشِ مِنَ الْحَيَّةِ، وَكَتَحَرُّكِ الْأَجْفَانِ عِنْدَ مُرُورِ شَيْءٍ عَلَى الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْعَيْنِ لَا يُرِيدُ تَحْرِيكَهُمَا.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي سَبَبِيَّةٌ وَهِيَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ لَأَقْعُدَنَّ، أَيْ أُقْسِمُ لَهُمْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ مِنِّي بِسَبَبِ إِغْوَائِكَ إِيَّايَ. وَاللَّامُ فِي لَأَقْعُدَنَّ لَامُ الْقَسَمِ: قَصْدُ تَأْكِيدِ حُصُولِ ذَلِكَ وَتَحْقِيقِ الْعَزْمِ عَلَيْهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015