وَقَوْلُهُ: قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ هُوَ كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الْأَعْرَاف:
3] وَنَظَائِرِهِ.
وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ قَلَّ شُكْرُهُمْ لله تَعَالَى إِذا اتَّخَذُوا مَعَهُ آلِهَةً.
وَوَصْفٌ قَلِيلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى الْمَعْدُومِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْ إِنَّ شُكْرَكُمُ اللَّهَ قَلِيلٌ. لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ رَبُّهُمْ فَقَدْ شَكَرُوهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِمْ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ شُكْرِهِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَمَا يَتْبَعُهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ كِنَايَةً عَنِ الْعَدَمِ عَلَى طَرِيقَةِ الْكَلَامِ الْمُقْتَصَدِ اسْتِنْزَالًا لِتَذَكُّرِهِمْ.
وَانْتُصِبَ (قَلِيلًا) عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْمَصْدَرُ الْمُؤَوَّلُ
فِي محلّ الْفَاعِل بقليلا فَهِيَ حَالٌ سَبَبِيَّةٌ.
وَفِي التَّعْقِيبِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِآيَةِ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الْأَعْرَاف: 4] إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِهْمَالَ شُكْرِ النِّعْمَةِ يُعَرِّضُ صَاحِبَهَا لِزَوَالِهَا، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله: أَهْلَكْناها.
[11- 13]
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ [الْأَعْرَاف: 10] تَذْكِيرًا بِنِعْمَةِ إِيجَادِ النَّوْعِ، وَهِيَ نِعْمَةُ عِنَايَةٍ، لِأَنَّ الْوُجُودَ أَشْرَفُ مِنَ الْعَدَمِ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَدْ