وَمَحْمَلُ الْآيَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِيهَا تَعْيِينُ وَقْتِ فَوَاتِ التَّوْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَهِيَ حَالَةُ يَأْسِ النَّاسِ كُلِّهِمْ مِنَ الْبَقَاءِ.
وَجَاءَ الِاسْتِئْنَافُ بِقَوْلِهِ: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ أمرا للرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُهَدِّدَهُمْ وَيَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى الِانْتِظَارِ، إِنْ كَانَ وَاقِعًا مِنْهُمْ، أَوْ عَلَى التَّرَيُّثِ وَالتَّأَخُّرِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ شَبِيهٌ بِالِانْتِظَارِ إِنْ كَانَ الِانْتِظَارُ ادِّعَائِيًّا، بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالدَّوَامِ عَلَى حَالِهِمُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِالِانْتِظَارِ أَمْرَ تَهْدِيدٍ، وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَظِرُونَ نَصْرَ اللَّهِ وَنُزُولَ الْعِقَابِ بِأَعْدَائِهِمْ، أَيْ: دُومُوا عَلَى انْتِظَارِكُمْ فَنَحْنُ مُنْتَظِرُونَ.
وَفِي مَفْهُومِ الصِّفَتَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ الَّتِي آمَنَتْ قَبْلَ مَجِيءِ الْحِسَابِ، وَكَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، ينفعها إِيمَانُهَا وَعَمَلُهَا. فَاشْتَمَلَتِ الْآيَةُ بِمَنْطُوقِهَا وَمَفْهُومِهَا عَلَى وَعِيدٍ ووعد مجملين تبيّنهما دَلَائِلُ الْكتاب والسنّة.
[159]
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (159)
اسْتِئْنَافٌ جَاءَ عَقِبَ الْوَعِيدِ كَالنَّتِيجَةِ وَالْفَذْلَكَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا قَالَ لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [الْأَنْعَام: 158] أَعْقَبَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ مُتَبَايِنَانِ مُتَجَافِيَانِ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ.
وَجِيءَ بِالْمَوْصُولِيَّةِ لِتَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِإِفَادَةِ تَحَقُّقِ مَعْنَى الصِّلَةِ فِيهِمْ، لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ التَّنْفِيرَ مِنَ الِاتِّصَالِ بِهِمْ، لِأَنَّ شَأْنَ الدِّينِ أَنْ يَكُونَ عَقِيدَةً وَاحِدَةً وَأَعْمَالًا وَاحِدَةً، وَالتَّفَرُّقُ فِي أُصُولِهِ يُنَافِي وَحْدَتَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَزَلْ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ يَبْذُلُونَ وُسْعَهُمْ لِاسْتِنْبَاطِ مُرَادِ اللَّهِ مِنَ الْأُمَّةِ، وَيَعْلَمُونَ