وَكَحَالِ أَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُمْلَى عَلَى الْجَارِدِ لَهَا، إِذْ تَقُولُ مَثَلًا: ثَوْب، بِسَاط، سَيْف، دُونَ إِعْرَاب، وَمن أعرابها كَانَ مُخْطِئًا. وَلِذَلِكَ نَطَقَ الْقُرَّاءُ بِهَا سَاكِنَةً سُكُونَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْهَا صَحِيحُ الْآخِرِ نُطِقَ بِهِ سَاكِنًا نَحْوَ أَلِفْ، لَامْ، مِيمْ. وَمَا كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ الْحُرُوفِ مَمْدُودَ الْآخِرِ نُطِقَ بِهِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ أَلِفًا مَقْصُورًا لِأَنَّهَا مَسُوقَةٌ مَسَاقَ الْمُتَهَجَّى بِهَا وَهِيَ فِي حَالَةِ التَّهَجِّي مَقْصُورَةٌ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ لِأَنَّ التَّهَجِّيَ إِنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا لِتَعْلِيمِ الْمُبْتَدِئِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي التَّهَجِّي أَكْثَرُ فَوَقَعَتْ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ مَقْصُورَةً لِأَنَّهَا عَلَى نَمَطِ التَّعْدِيدِ أَوْ مَأْخُوذَةً مِنْهُ.

وَلَكِنَّ النَّاسَ قَدْ يَجْعَلُونَ فَاتِحَةَ إِحْدَى السُّوَرِ كَالِاسْمِ لَهَا فَيَقُولُونَ قَرَأْتُ: كهيعص كَمَا يَجْعَلُونَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ مِنَ الْقَصِيدَةِ اسْمًا لِلْقَصِيدَةِ فَيَقُولُونَ قَرَأْتُ: «قِفَا نَبْكِ» وَ «بَانَتْ سُعَادُ» فَحِينَئِذٍ قَدْ تُعَامَلُ جُمْلَةُ الْحُرُوفِ الْوَاقِعَةِ فِي تِلْكَ الْفَاتِحَةِ مُعَامَلَةَ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجْرِي عَلَيْهَا مِنَ الْإِعْرَابِ مَا هُوَ لِنَظَائِرِ تِلْكَ الصِّيغَةِ مِنَ الْأَسْمَاءِ فَلَا يُصْرَفُ حَامِيمُ كَمَا قَالَ شُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى الْعَنْسِيُّ الْمُتَقَدِّمُ آنِفًا:

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ

وَكَمَا قَالَ الْكُمَيْتُ:

قَرَأْنَا لَكُمْ فِي آلِ حَامِيمَ آيَةً ... تَأَوَّلَهَا مِنَّا فَقِيهٌ وَمُعْرِبٌ

وَلَا يعرب كهيعص [مَرْيَم: 1] إِذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ إِفْرَادًا وَلَا تَرْكِيبًا. وَأَمَّا طسم فيعرب اعتراب الْمُرَكَّبِ الْمَزْجِيِّ نَحْوَ حَضْرَمَوْتَ وَدَارَابَجِرْدَ (?) وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ (هُودَ) اسْمَ السُّورَةِ لَمْ تَصْرِفْهَا فَتَقُولُ قَرَأْتُ هُودَ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ قَالَ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةٍ سَمَّيْتَهَا بِعَمْرٍو. وَلَكَ فِي الْجَمِيعِ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ فِي الْإِعْرَابِ عَلَى حَالِهِ مِنَ الْحِكَايَةِ وَمَوْقِعِ هَاتِهِ الْفَوَاتِحِ مَعَ مَا يَلِيهَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ، فَإِنْ جَعَلَتْهَا حُرُوفًا لِلتَّهَجِّي تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ وَتَبْكِيتًا لَهُمْ فَظَاهِرٌ أَنَّهَا حِينَئِذٍ مَحْكِيَّةٌ وَلَا تَقْبَلُ إِعْرَابًا، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ أَسْمَاءِ الْأَصْوَاتِ لَا يُقْصَدُ إِلَّا صُدُورُهَا فَدَلَالَتُهَا تُشْبِهُ الدَّلَالَةَ الْعَقْلِيَّةَ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاطِق بهَا يهيّىء السَّامِعَ إِلَى مَا يَرِدُ بَعْدَهَا مِثْلَ سَرْدِ الْأَعْدَادِ الْحِسَابِيَّةِ عَلَى مَنْ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ حَاصِلَهَاُُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015