تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالَّتِي هُنَا زِيَادَةٌ لَفْظِيَّةٌ فَحَسْبُ وَالْمَعْنَى عَلَى النَّفْيِ.

وَالضَّلَالُ سُلُوكُ غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمُرَادِ عَنْ خَطَأٍ سَوَاءٌ عَلِمَ بِذَلِكَ فَهُوَ يَتَطَلَّبُ الطَّرِيقَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، وَمِنْهُ ضَالَّةُ الْإِبِلِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْهُدَى وَإِطْلَاقُ الضَّالِّ عَلَى الْمُخْطِئِ فِي الدِّينِ أَوِ الْعِلْمِ اسْتِعَارَةٌ كَمَا هُنَا. وَالضَّلَالُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مُقَابِلُ الِاهْتِدَاءِ وَالِاهْتِدَاءُ هُوَ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ وَالضَّلَالُ مَا دُونُ ذَلِكَ، قَالُوا وَلَهُ عَرْضٌ عَرِيضٌ أَدْنَاهُ تَرْكُ السُّنَنِ وَأَقْصَاهُ الْكُفْرُ.

وَقَدْ فَسَّرْنَا الْهِدَايَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا الدَّلَالَةُ بِلُطْفٍ، فَالضَّلَالُ عَدَمُ ذَلِكَ، وَيُطْلَقُ عَلَى أَقْصَى أَنْوَاعِهِ الْخَتْمُ وَالطَّبْعُ وَالْأَكِنَّةُ.

وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ جِنْسَا فِرَقِ الْكُفْرِ، فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ جِنْسٌ لِلْفِرَقِ الَّتِي تَعَمّدت ذَلِك واستحقت بِالدِّيَانَةِ عَنْ عَمْدٍ وَعَنْ تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ جِدًّا تُحْمَلُ عَلَيْهِ غَلَبَةُ الْهَوَى، فَهَؤُلَاءِ سَلَكُوا مِنَ الصِّرَاطِ الَّذِي خُطَّ لَهُمْ مَسَالِكَ غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ فَاسْتَحَقُّوا الْغَضَب لأَنهم أخطأوا عَنْ غَيْرِ مَعْذِرَةٍ إِذْ مَا حَمَلَهُمْ عَلَى الْخَطَأِ إِلَّا إِيثَارُ حُظُوظِ الدُّنْيَا.

وَالضَّالُّونَ جِنْسٌ لِلْفِرَقِ الَّذِينَ حَرَّفُوا الدِّيَانَاتِ الْحَقَّ عَنْ عَمْدٍ وَعَنْ سُوءِ فَهْمٍ وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ مَذْمُومٌ مُعَاقَبٌ لِأَنَّ الْخَلْقَ مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْحَقِّ وَبَذْلِ الْجُهْدِ إِلَى إِصَابَتِهِ وَالْحَذَرِ مِنْ مُخَالَفَةِ مَقَاصِدِهِ.

وَإِذْ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَعُلِمَ أَنَّ الْغَضَبَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ حَادُوا عَنِ الصِّرَاطِ الَّذِي هُدُوا إِلَيْهِ فَحَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْوُصُولِ بِهِ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الضَّالِّينَ قَدْ ضَلُّوا الصِّرَاطَ، فَحَصَلَ شِبْهُ الِاحْتِبَاكِ وَهُوَ أَنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ نَالَ حَظًّا مِنَ الْوَصْفَيْنِ إِلَّا أَنَّ تَعْلِيقَ كُلِّ وَصْفٍ عَلَى الْفَرِيقِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالضَّالِّينَ هُمْ دُونَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فِي الضَّلَالِ فَالْمُرَادُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ غَضَبًا شَدِيدًا لِأَنَّ ضَلَالَهُمْ شَنِيعٌ.

فَالْيَهُودُ مَثَلٌ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَالنَّصَارَى مِنْ جُمْلَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي «جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ» وَحَسَّنَهُ. وَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ مِنْ تَفْسِيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بِالْيَهُودِ وَالضَّالِّينَ بِالنَّصَارَى، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ بِأَشْهَرِ الْفِرَقِ الَّتِي حَقَّ عَلَيْهَا هَذَانِ

الْوَصْفَانِ، فَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَعْرِفُونَ الْيَهُودَ فِي خَيْبَرَ وَالنَّضِيرِ وَبَعْضِ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ وَفِي عَرَبِ الْيَمَنِ. وَكَانُوا يَعْرِفُونَ نَصَارَى الْعَرَبِ مِثْلَ تَغْلِبَ وَكَلْبٍ وَبَعْضِ قُضَاعَةَ، وَكُلُّ أُولَئِكَ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا وَتَنَكَّبُوا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي أَرْشَدَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَتَفَرَّقُوا فِي بِنْيَاتِ الطُّرُقِ عَلَى تَفَاوُتٍ فِي ذَلِكَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015