إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [التِّين: 4، 5] ، وَدَلَّ عَلَيْهِ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»
. وَكُلُّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّكْوِينِ وَالْخَلْقِ وَهُوَ تَصَرُّفُ الْقَدَرِ.
وَلَهُ اتِّصَالٌ بِنَامُوسِ التَّسَلْسُلِ فِي تَطَوُّرِ أَحْوَالِ الْبَشَرِ فِي تَصَرُّفَاتٍ بِعُقُولِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ، وَهِيَ سِلْسِلَةٌ بَعِيدَةُ الْمَدَى اقْتَضَتْهَا حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَدْبِيرِ نِظَامِ هَذَا الْعَالَمِ، وَلَا يَعْلَمُ كُنْهَهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ هَذَا الْإِضْلَالُ بِالْأَمْرِ بِالضَّلَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَلَا بِتَلْقِينِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَتَسْهِيلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَمَ مَنْ أَرَادَ إِضْلَالَهُ مِنِ انْتِشَالِهِ وَاللُّطْفِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَضْلُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِأَهْلِهِ. وَمَفْعُولُ يَشَأِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ جَوَابِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي مَفْعُولِ فِعْلِ الْمَشِيئَةِ الْوَاقِعِ شَرْطًا.
وَالصِّرَاطُ هُوَ الطَّرِيقُ الْبَيِّنُ. وَمَعْنَى الْمُسْتَقِيمُ أَنَّهُ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، لِأَنَّ السَّيْرَ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ أَيْسَرُ عَلَى السَّائِرِ وَأَقْرَبُ وُصُولًا إِلَى الْمَقْصُودِ.
وَمَعْنَى (عَلَى) الِاسْتِعْلَاءُ، وَهُوَ اسْتِعْلَاءُ السَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ. فَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِحَالِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فَمَنَّ عَلَيْهِ بِعَقْلٍ يَرْعَوِي مِنْ غَيِّهِ وَيُصْغِي إِلَى النَّصِيحَةِ فَلَا يَقَعُ فِي الْفَسَادِ فَاتَّبَعَ الدِّينَ الْحَقَّ، بِحَالِ السَّائِرِ فِي طَرِيقٍ وَاضِحَةٍ لَا يتحيّر وَلَا يخطىء الْقَصْدَ، وَمُسْتَقِيمَةٌ لَا تُطَوِّحُ بِهِ فِي طُولِ السَّيْرِ. وَهَذَا التَّمْثِيلُ أَيْضًا صَالِحٌ لِتَشْبِيهِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الْفَاتِحَة: 6] . فَالدِّينُ يُشْبِهُ الصِّرَاطَ الْمُوَصِّلَ بِغَيْرِ عَنَاءٍ، وَالْهَدْيُ إِلَيْهِ شَبِيهُ الْجَعْلِ على الصِّرَاط.
[40، 41]
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ