عَلَى سَمَاعِ نَوْعِهِ مِنْ مَادَّتِهِ. وَمَنْ أَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ «الْقَامُوسِ» فَقَدْ ظَلَمَهُ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْإِيذَاءُ لَفْظٌ غَيْرُ فَصِيحٍ لِغَرَابَتِهِ. وَلَقَدْ يُعَدُّ عَلَى صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» اسْتِعْمَالُهُ هُنَا وَهُوَ مَا هُوَ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ.
وحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ أَفَادَتْ غَايَةَ مَا قَبْلَهَا، وَهُوَ التَّكْذِيبُ وَالْأَذَى وَالصَّبْرُ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّ النَّصْرَ كَانَ بِإِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُؤْذِينَ، فَكَانَ غَايَةً لِلتَّكْذِيبِ وَالْأَذَى، وَكَانَ غَايَةً لِلصَّبْرِ الْخَاصِّ، وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالْأَذَى، وَبَقِيَ صَبْرُ الرُّسُلِ عَلَى أَشْيَاءَ مِمَّا أُمِرَ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ.
وَالْإِتْيَانُ فِي قَوْلِهِ: أَتاهُمْ نَصْرُنا مَجَازٌ فِي وُقُوعِ النَّصْرِ بَعْدَ انْتِظَارِهِ، فَشَبَّهَ وُقُوعَهُ بِالْمَجِيءِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ كَمَا يَجِيءُ الْمُنَادَى الْمُنْتَظَرُ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [4] .
وَجُمْلَةُ وَلا مُبَدِّلَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: أَتاهُمْ نَصْرُنا.
وَكَلِمَاتُ اللَّهِ وَحْيُهُ لِلرُّسُلِ الدَّالُّ عَلَى وَعْدِهِ إِيَّاهُمْ بِالنَّصْرِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ إِضَافَةُ النَّصْرِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ. فَالْمُرَادُ كَلِمَاتٌ مِنْ نَوْعٍ خَاصٍّ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ بَعْضَ كَلِمَاتِ اللَّهِ فِي التَّشْرِيعِ قَدْ تُبَدَّلُ بِالنَّسْخِ عَلَى أَنَّ التَّبْدِيلَ الْمَنْفِيَّ مَجَازٌ فِي النَّقْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [181] . وَسَيَأْتِي تَحْقِيقٌ لِهَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [115] .
وَهَذَا تَطْمِينٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ كَمَا نَصَرَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَاتُ اللَّهِ مَا كَتَبَهُ فِي أَزَلِهِ وَقَدَّرَهُ مِنْ سُنَنِهِ فِي الْأُمَمِ، أَيْ أَنَّ إِهْلَاكَ الْمُكَذِّبِينَ يَقَعُ كَمَا وَقَعَ إِهْلَاكُ مَنْ قَبْلَهُمْ.
وَنَفْيُ الْمُبَدِّلِ كِنَايَةً عَنْ نَفْيِ التَّبْدِيلِ، أَيْ لَا تَبْدِيلَ، لِأَنَّ التَّبْدِيلَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ مُبَدِّلٍ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يُبَدِّلَ مُرَادَ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ لَا يُبَدِّلَ كَلِمَاتِهِ
فِي هَذَا الشَّأْنِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ،