وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ بِالتَّذْيِيلِ لِحِكَايَةِ حَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى قَوْلَهُمْ: يَا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها [الْأَنْعَام: 31] عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّهُمْ فَرَّطُوا فِي الْأُمُورِ النَّافِعَةِ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِسَبَبِ الِانْهِمَاكِ فِي زَخَارِفِ الدُّنْيَا، فَذَيَّلَ ذَلِكَ بِخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ تَعْرِيفًا بِقِيمَةِ زَخَارِفِ الدُّنْيَا وَتَبْشِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْخَيْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَتَكُونُ الْوَاوُ عَطَفَتْ جُمْلَةَ الْبِشَارَةِ عَلَى حِكَايَةِ النِّذَارَةِ. وَالْمُنَاسَبَةُ هِيَ التَّضَادُّ. وَأَيْضًا فِي هَذَا نِدَاءٌ عَلَى سَخَافَةِ عُقُولِهِمْ إِذْ غَرَّتْهُمْ فِي الدُّنْيَا فَسُوِّلَ لَهُمُ الِاسْتِخْفَافُ بِدَعْوَةِ اللَّهِ إِلَى الْحَقِّ. فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ:
أَفَلا تَعْقِلُونَ خِطَابًا مُسْتَأْنَفًا لِلْمُؤْمِنِينَ تَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ أَنْ تَغُرَّهُمْ زَخَارِفُ الدُّنْيَا فَتُلْهِيَهِمْ عَنِ الْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ عَلَى جِنْسِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْحَيَاةِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَيِ الْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا كُلُّ أَحَدٍ الْمَعْرُوفَةُ بِالدُّنْيَا، أَيِ الْأُولَى وَالْقَرِيبَةُ مِنَ النَّاسِ، وَأُطْلِقَتِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا عَلَى أَحْوَالِهَا، أَوْ عَلَى مُدَّتِهَا.
وَاللَّعِبُ: عَمَلٌ أَوْ قَوْلٌ فِي خِفَّةٍ وَسُرْعَةٍ وَطَيْشٍ لَيْسَتْ لَهُ غَايَةٌ مُفِيدَةٌ بَلْ غَايَتُهُ إِرَاحَةُ الْبَالِ وَتَقْصِيرُ الْوَقْتِ وَاسْتِجْلَابُ الْعُقُولِ فِي حَالَةِ ضَعْفِهَا كَعَقْلِ الصَّغِيرِ وَعَقْلِ الْمُتْعَبِ، وَأَكْثَرُهُ أَعْمَالُ الصِّبْيَانِ. قَالُوا وَلِذَلِكَ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ اللُّعَابِ، وَهُوَ رِيقُ الصَّبِيِّ السَّائِلُ.
وَضِدَّ اللَّعِبِ الْجِدُّ.
وَاللَّهْوُ: مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِمَّا تَرْتَاحُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَلَا يَتْعَبُ فِي الِاشْتِغَالِ بِهِ عَقْلُهُ.
فَلَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى مَا فِيهِ اسْتِمْتَاعٌ وَلَذَّةٌ وَمُلَائِمَةٌ لِلشَّهْوَةِ.
وَبَيْنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ. فَهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْعَمَلِ الَّذِي فِيهِ مُلَاءَمَةٌ وَيُقَارِنُهُ شَيْءٌ مِنَ الْخِفَّةِ وَالطَّيْشِ كَالطَّرَبِ وَاللَّهْوِ بِالنِّسَاءِ. وَيَنْفَرِدُ اللَّعِبُ فِي لَعِبِ
الصِّبْيَانِ. وَيَنْفَرِدُ اللَّهْوُ فِي نَحْوِ الْمَيْسِرِ وَالصَّيْدِ.
وَقَدْ أَفَادَتْ صِيغَةُ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ قَصْرَ الْحَيَاةِ عَلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، وَهُوَ قَصْرٌ مَوْصُوفٌ عَلَى صِفَةٍ. وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ الْأَعْمَالُ الَّتِي يُحِبُّ الْإِنْسَانُ الْحَيَاةَ لِأَجْلِهَا، لِأَنَّ الْحَيَاةَ مُدَّةٌ وَزَمَنٌ لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِغَيْرِ أَوْصَافِ الْأَزْمَانِ مِنْ طُولٍ أَوْ قِصَرٍ،