غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
كَلِمَةُ غَيْرِ مَجْرُورَةٌ بِاتِّفَاقِ الْقُرَّاءِ الْعَشَرَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ لِلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ وَالْوَصْفُ وَالْبَدَلِيَّةُ سَوَاءٌ فِي الْمَقْصُودِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي «الْكَشَّافِ» بَيَانَ وَجْهِ الْبَدَلِيَّةِ لِاخْتِصَارِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا لِيُفْضِيَ إِلَى الْكَلَامِ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ، فَيُورِدُ عَلَيْهَا كَيْفِيَّةَ صِحَّةِ تَوْصِيفِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلِمَةِ (غَيْرِ) الَّتِي لَا تُتَعَرَّفُ، وَإِلَّا فَإِنَّ جَعْلَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ صِفَةً لِلَّذِينَ هُوَ الْوَجْهُ وَكَذَلِكَ أَعْرَبَهُ سِيبَوَيْهِ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ أَبُو حَيَّانَ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْبَدَلَ بِالْوَصْفِ ضَعِيفٌ إِذِ الشَّأْنُ أَنَّ الْبَدَلَ هُوَ عَيْنُ الْمُبْدَلِ مِنْهُ أَيِ اسْمُ ذَاتٍ لَهُ، يُرِيدُ أَنَّ مَعْنَى التَّوْصِيفِ فِي غَيْرِ أَغْلَبُ مِنْ مَعْنَى ذَاتٍ أُخْرَى لَيْسَتِ السَّابِقَةَ، وَهُوَ وُقُوفٌ عِنْدَ حُدُودِ الْعِبَارَاتِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ حَتَّى احْتَاجَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِلَى تَأْوِيلِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ بِالَّذِينَ سَلِمُوا مِنَ الْغَضَبِ، وَأَنَا لَا أَظُنُّ الزَّمَخْشَرِيَّ أَرَادَ تَأْوِيلَ غَيْرِ بَلْ أَرَادَ بَيَانَ الْمَعْنَى. وَإِنَّمَا صَحَّ وُقُوعُ (غَيْرِ) صِفَةً لِلْمَعْرِفَةِ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّ غَيْرَ لِتَوَغُّلِهَا فِي الْإِبْهَامِ لَا تُفِيدُهَا الْإِضَافَةُ تَعْرِيفًا أَيْ فَلَا يَكُونُ فِي الْوَصْفِ بِهَا فَائِدَةُ التَّمْيِيزِ فَلَا تُوصَفُ بِهَا الْمَعْرِفَةُ لِأَنَّ الصِّفَةَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ أَشْهَرَ من الْمَوْصُوف، فَغير وَإِنْ كَانَتْ مُضَافَةً لِلْمَعْرِفَةِ إِلَّا أَنَّهَا لِمَا تَضَمَّنَهُ مَعْنَاهَا مِنَ الْإِبْهَامِ انْعَدَمَتْ مَعَهَا فَائِدَةُ التَّعْرِيفِ، إِذْ كُلُّ شَيْءٍ سِوَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ هُوَ غَيْرُ، فَمَاذَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْوَصْفِ فِي قَوْلِكَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ غَيْرِ عَمْرٍو، فَالتَّوْصِيفُ هُنَا إِمَّا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لَيْسَ مُرَادًا بِهِ فَرِيقٌ مُعَيَّنٌ فَكَانَ وِزَانُ تَعْرِيفِهِ بِالصِّلَةِ وِزَانَ الْمُعَرَّفِ بِأَلِ الْجِنْسِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي بِلَامِ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، فَكَانَ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْمَعْرِفَةِ فَلِذَلِكَ عُرِفَ بِمِثْلِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَهُوَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ الَّذِي هُوَ فِي صُورَةِ الْمَعْرِفَةِ لِإِضَافَتِهِ لِمَعْرِفَةٍ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ لِعَدَمِ إِرَادَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ تَعْرِيفِ غَيْرِ فِي مِثْلِ
هَذَا لِأَنَّ غَيْرَ إِذَا أُرِيدَ بِهَا نَفْيُ ضِدِّ الْمَوْصُوفِ أَيْ مُسَاوِي نَقِيضِهِ صَارَتْ مُعَرَّفَةً، لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَعَرَّفُ بِنَفْيِ ضِدِّهِ نَحْوُ عَلَيْكَ بِالْحَرَكَةِ غَيْرِ السُّكُونِ، فَلَمَّا كَانَ مَنْ أُنْعِمَ عَلَيْهِ لَا يُعَاقَبُ كَانَ الْمُعَاقَبُ هُوَ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِ، هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ السَّرَّاجِ وَالسِّيرَافِيِّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النِّسَاء: 95] وَنقل عَن سيبوبه أَن غيرا إِنَّمَا لَمْ تَتَعَرَّفْ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُغَايِرِ فَهِيَ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَأَلْحَقَ بِهَا مِثْلًا وَسِوَى وَحَسْبَ وَقَالَ: إِنَّهَا تَتَعَرَّفُ إِذَا قُصِدَ بِإِضَافَتِهَا الثُّبُوتُ. وَكَأَنَّ مَآلَ الْمَذْهَبَيْنِ وَاحِد لِأَن غيرا إِذَا أُضِيفَتْ