وَالْإِشَارَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ حَاضِرٌ حِينَ تَجْرِي هَذِهِ الْمُقَاوَلَةُ.
وَجُمْلَةُ: يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ مُضَافٌ إِلَيْهَا يَوْمُ، أَيْ هَذَا يَوْمُ نَفْعِ الصِّدْقِ.
وَقَدْ قَرَأَ غَيْرُ نَافِعٍ مِنَ الْعَشَرَةِ يَوْمُ- مَضْمُومًا ضَمَّةَ رَفْعٍ- لِأَنَّهُ خَبَرُ هَذَا. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ
- مَفْتُوحًا- عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ. وَإِضَافَةُ اسْمِ الزَّمَانِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ تُسَوِّغُ بِنَاءَهُ عَلَى الْفَتْحِ، فَإِنْ كَانَتْ مَاضَوِيَّةً فَالْبِنَاءُ أَكْثَرُ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا وَإِنْ كَانَتْ مُضَارِعِيَّةً فَالْبِنَاءُ وَالْإِعْرَابُ جَائِزَانِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ.
وَإِضَافَةُ الظَّرْفِ إِلَى الْجُمْلَةِ تَقْتَضِي أَنَّ مَضْمُونَهَا يَحْصُلُ فِيهِ، فَنَفْعُ الصِّدْقِ أَصْحَابَهُ حَاصِلٌ يَوْمَئِذٍ. وَعُمُومُ الصَّادِقِينَ يَشْمَلُ الصِّدْقَ الصَّادِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالصَّادِرَ فِي الدُّنْيَا، فَنَفْعُ كِلَيْهِمَا يَظْهَرُ يَوْمَئِذٍ فَأَمَّا نَفْعُ الصَّادِرِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ حُصُولُ ثَوَابِهِ، وَأَمَّا نَفْعُ الصَّادِرِ فِي الْآخِرَةِ كَصِدْقِ الْمَسِيحِ فِيمَا قَالَهُ فَهُوَ بِرِضَى اللَّهِ عَنِ الصَّادِقِ أَوْ تَجَنُّبِ غَضَبِهِ عَلَى الَّذِي يُكَذِّبُهُ فَلَا حَيْرَةَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ.
وَالْمُرَادُ بِ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ كَانَ الصِّدْقُ شِعَارَهُمْ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْهُ. وَمِنْ أَوَّلِ مَرَاتِبِ الصِّدْقِ صِدْقُ الِاعْتِقَادِ بِأَنْ لَا يَعْتَقِدُوا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِمَّا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ أَوِ الشَّرْعِيُّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [119] .
وَمَعْنَى نَفْعِ الصِّدْقِ صَاحِبَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْحَقِّ فَالصَّادِقُ يَنْتَفِعُ فِيهِ بِصِدْقِهِ، لِأَنَّ الصِّدْقَ حَسَنٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْحَقِّ إِلَّا الْأَثَرُ الْحَسَنُ، بِخِلَافِ الْحَالِ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا عَالَمِ حُصُولِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدْ يَجُرُّ ضُرًّا لِصَاحِبِهِ بِتَحْرِيفِ النَّاسِ لِلْحَقَائِقِ، أَوْ بِمُؤَاخَذَتِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ لَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَأَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ فَذَلِكَ مِنَ النَّفْعِ الْحَاصِلِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدِ ابْتُلِيَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي الصِّدْقِ ثُمَّ رَأَى حُسْنَ مَغَبَّتِهِ فِي الدُّنْيَا.