بُدَيْلِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ مَوْلَاهُ هُوَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي. وَالظَّاهِرُ مِنْ تَحْلِيفِ الْمُطَّلِبِ ابْن أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّ لَهُ وَلَاءً مِنْ بُدَيْلٍ، إِذْ لَا يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِالْيَمِينِ. فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ
الْحَقِّ وَاحِدًا حَلَفَ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْحَقِّ جَمَاعَةً حَلَفُوا جَمِيعًا وَاسْتَحَقُّوا. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَاحِدًا يَحْلِفُ مَعَهُ مَنْ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ، وَلَا إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ أَنْ يَحْلِفَ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَيَسْتَحِقُّونَ كُلُّهُمْ. فَالِاقْتِصَارُ عَلَى اثْنَيْنِ فِي أَيْمَانِ الْأَوْلَيَيْنِ نَاظِرٌ إِلَى قِصَّةِ سَبَبِ النُّزُولِ، فَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى هَذَا خَاصَّةً بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ.
وَيَجْرِي مَا يُخَالِفُ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّرِيعَةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالتُّهَمِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ حكم الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّةِ بُدَيْلِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
وَذَلِكَ ظَاهِرُ بَعْضِ رِوَايَاتِ الْخَبَرِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ تَشْرِيعًا لِأَمْثَالِ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ مِمَّا يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْأَوْلَيَيْنِ اثْنَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ.
وَبَقِيَتْ صُورَةٌ لَمْ تَشْمَلْهَا الْآيَةُ مِثْلُ أَنْ لَا يَجِدَ الْمُحْتَضِرُ إِلَّا وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَجِدَ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُسْلِمٍ. وَكُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى أَحْكَامِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا مِنْ يَمِينِ مَنْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ أَوْ يَمِينِ الْمُنْكِرِ.
وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: «ذَلِكَ أَدْنَى» إِلَى الْمَذْكُورِ مِنَ الْحُكْمِ مِنْ قَوْلِهِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ- إِلَى قَوْلِهِ- إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ. وأَدْنى بِمَعْنَى أَقْرَبُ، وَالْقُرْبُ هُنَا مَجَازٌ فِي قُرْبِ الْعِلْمِ وَهُوَ الظَّنُّ، أَيْ أَقْوَى إِلَى الظَّنِّ بِالصِّدْقِ.
وَضَمِيرُ يَأْتُوا عَائِدٌ إِلَى «الشُّهَدَاءِ» وَهُمْ: الْآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، وَالْآخَرَانِ اللَّذَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا، أَيْ أَنْ يَأْتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَجَمَعَ الضَّمِيرَ عَلَى إِرَادَةِ التَّوْزِيعِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا شَرَعَ اللَّهُ مِنَ التَّوْثِيقِ وَالضَّبْطِ، وَمِنْ رَدِّ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعُثُورِ عَلَى