وَقَوْلُهُ: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ الْآيَاتِ.. تَفْصِيلٌ لِلْحَالَةِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي السَّفَرِ.
وَ (أَوْ) لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَالتَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ: حَالِ الْحَاضِرِ وَحَالِ الْمُسَافِرِ، وَلِذَلِكَ اقْتَرَنَ بِهِ قَوْلُهُ: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ.
وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَشَهَادَةُ آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِكُمْ، فَالْمَصِيرُ إِلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ. وَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ: السَّيْرُ فِيهَا. وَالْمُرَادُ بِهِ السَّفَرُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [156] .
وَمَعْنَى: فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ حَلَّتْ بِكُمْ، وَالْفِعْلُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمُشَارَفَةِ وَالْمُقَارَبَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً [النِّسَاء: 9] ، أَيْ لَوْ شَارَفُوا أَنْ يَتْرُكُوا ذُرِّيَّةً. وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْأَفْعَالِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْإِقَامَةِ:
قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ.
وَعَطَفَ قَوْلَهُ فَأَصابَتْكُمْ عَلَى ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَكَانَ مِنْ مَضْمُونِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ. أُعِيدَ هُنَا لِرَبْطِ الْكَلَامِ بَعْدَ مَا فُصِلَ بَيْنَهُ مِنَ الظُّرُوفِ وَالشُّرُوطِ. وَضَمِيرُ الْجمع فِي فَأَصابَتْكُمْ كَضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ.
وَالْمُصِيبَةُ: الْحَادِثَةُ الَّتِي تَحِلُّ بِالْمَرْءِ مِنْ شَرٍّ وَضُرٍّ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [72] .
وَجُمْلَةُ تَحْبِسُونَهُما حَالٌ مِنْ آخَرانِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ