إِلَى النبيء- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ،
لِقَوْلِهِ «لَمْ نَرُدَّهُ»
، وَإِنَّمَا رَدَّهُ هُوَ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُ مَا صِيدَ لِمُحْرِمٍ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ وَقِيلَ: لَا يَأْكُلُ الْمُحْرِمُ صَيْدًا صِيدَ فِي مُدَّةِ إِحْرَامِهِ وَيَأْكُلُ مَا صِيدَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَنُسِبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ الصَّيْدِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَ الصَّيْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّنَزُّهَ عَنْ أَكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي صِيدَ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ كَمَا عَلِمْتَ. وَالْأَصْلُ فِي الِامْتِنَاعِ الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ، لَوْ أَرَادَ التَّنَزُّهَ لَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُهُ، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الضبّ.
[97]
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ جَوَابٌ عَمَّا يَخْطُرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ حِكْمَةِ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَفِي حَالِ الْإِحْرَامِ، بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْكَعْبَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ أَرْضُ الْحَرَمِ لِأَجْلِ تَعْظِيمِهَا، وَتَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى سُكَّانِهِ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْنِ فِي عَلَائِقِهَا وَشَعَائِرِهَا.
وَالْجَعْلُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ، فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [1] ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنى التصيير فتعدّى إِلَى
مَفْعُولَيْنِ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَالِحٌ هُنَا. وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَدَ الْكَعْبَةَ، أَيْ أَمَرَ خَلِيلَهُ بِإِيجَادِهَا لِتَكُونَ قِيَامًا لِلنَّاسِ. فَقَوْلُهُ: قِياماً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ أَوْجَدَهَا مُقَدِّرًا أَنْ تَكُونَ قِيَامًا. وَإِذَا حُمِلَ جَعَلَ عَلَى مَعْنَى التَّصْيِيرِ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ بَيْتَ عِبَادَةٍ فَصَيَّرَهَا اللَّهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ لُطْفًا بِأَهْلِهَا وَنَسْلِهِمْ، فَيَكُونُ قِياماً مَفْعُولًا ثَانِيًا لِ جَعَلَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: الْبَيْتَ الْحَرامَ يَصِحُّ جَعْلُهُ مَفْعُولًا.
وَالْكَعْبَةُ عَلَمٌ عَلَى الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِمَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى