وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [الْبَقَرَة: 143] ، أَيْ صَلَاتَكُمْ فَكَانَ الْقَصْدُ مِنَ السُّؤَالِ التَّثَبُّتَ فِي التَّفَقُّهِ وَأَنْ لَا يَتَجَاوَزُوا التَّلَقِّي مِنْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ.
وَنَفْيُ الْجُنَاحِ نَفْيُ الْإِثْمِ وَالْعِصْيَانِ. وَ (مَا) مَوْصُولَةٌ. وطَعِمُوا صِلَةٌ. وَعَائِدُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ. وَلَيْسَتْ (مَا) مَصْدَرِيَّةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْعَفْوُ عَنْ شَيْءٍ طَعِمُوهُ مَعْلُومٍ مِنَ السُّؤَالِ، فَتَعْلِيقُ ظَرْفِيَّةِ مَا طَعِمُوا بِالْجُنَاحِ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ: فِي طَعْمِ مَا طَعِمُوهُ.
وَأَصْلُ مَعْنَى طَعِمُوا أَنَّهُ بِمَعْنَى أَكَلُوا، قَالَ تَعَالَى: فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا [الْأَحْزَاب: 259] . وَحَقِيقَةُ الطَّعْمِ الْأَكْلُ وَالشَّيْءُ الْمَأْكُولُ طَعَامٌ. وَلَيْسَ الشَّرَابُ مِنَ الطَّعَامِ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ، وَلِذَلِكَ عُطِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [الْبَقَرَة:
259] . وَيَدُلُّ لِذَلِكَ اسْتثِْنَاء المأكولات مِنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الْأَنْعَام: 145] . وَيُقَالُ: طَعِمَ بِمَعْنَى أَذَاقَ وَمَصْدَرُهُ الطُّعْمُ- بِضَمِّ الطَّاءِ- اعْتَبَرُوهُ مُشْتَقًّا مِنَ الطَّعْمِ الَّذِي هُوَ حَاسَّةُ الذَّوْقِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [الْبَقَرَة: 249] ، أَيْ وَمَنْ لَمْ يَذُقْهُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ [الْبَقَرَة: 249] .
وَيُقَالُ: وَجَدْتُ فِي الْمَاءِ طَعْمَ التُّرَابِ. وَيُقَالُ تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ، أَيْ أَسِنَ. فَمِنْ فَصَاحَةِ الْقُرْآنِ إِيرَادُ فِعْلِ طَعِمُوا هُنَا لِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ التَّبِعَةِ عَمَّنْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَأَكَلُوا لَحْمَ الْمَيْسِرِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ تَحْرِيمِهِمَا. وَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنَيَيْهِ، أَيْ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، أَوْ هُوَ مِنْ أُسْلُوبِ التَّغْلِيبِ.
وَإِذْ قَدْ عَبَّرَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ فِي قَوْلِهِ طَعِمُوا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ إِذا ظَرْفًا لِلْمَاضِي،
وَذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِلنُّحَاةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّ (إِذَا) ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَالْحَقُّ أَنَّ (إِذَا) تَقَعُ ظَرْفًا لِلْمَاضِي. وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَدَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ هِشَام فِي «معني اللَّبِيبِ» . وَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا عَلَى الَّذِينَ