وَقَوْلُهُ: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْإِخْبَارِ بِهَذَا الْعِقَابِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ مُوسَى يُحْزِنُهُ ذَلِكَ، فَنَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَأْهِلُونَ الْحُزْنَ لِأَجْلِهِمْ لِفِسْقِهِمْ.
وَالْأَسَى: الْحُزْنُ، يُقَالُ أَسِيَ كَفَرِحَ إِذا حزن.
[27- 30]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30)
عَطَفَ نَبَأً عَلَى نَبَإٍ لِيَكُونَ مُقَدِّمَةً لِلتَّحْذِيرِ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَالْحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ، وَيُتْبَعُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَأَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلِيَحْسُنَ التَّخَلُّصُ مِمَّا اسْتُطْرِدَ مِنَ الْأَنْبَاءِ وَالْقَصَصِ الَّتِي هِيَ مَوَاقِعُ عِبْرَةٍ وَتُنْظَمُ كُلُّهَا فِي جَرَائِرِ الْغُرُورِ. وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِصَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا مُنَاسَبَةُ تَمَاثُلٍ وَمُنَاسَبَةُ تَضَادٍّ. فَأَمَّا التَّمَاثُلُ فَإِنَّ فِي كِلْتَيْهِمَا عَدَمَ الرِّضَا بِمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَصَوْا أَمْرَ رَسُولِهِمْ إِيَّاهُمْ بِالدُّخُولِ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ عَصَى حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ قَبُولِ قُرْبَانِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَفِي كِلْتَيْهِمَا جُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ فَبَنُو إِسْرَائِيل قَالُوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ [الْمَائِدَة: 24] ، وَابْنُ آدَمَ قَالَ:
لَأَقْتُلَنَّ الَّذِي تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ. وَأَمَّا التَّضَادُّ فَإِنَّ فِي إِحْدَاهُمَا إِقْدَامًا مَذْمُومًا مِنِ ابْنِ آدَمَ، وَإِحْجَامًا مَذْمُومًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنَّ فِي إِحْدَاهُمَا اتِّفَاقَ أَخَوَيْنِ هُمَا مُوسَى وَأَخُوهُ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْأُخْرَى اخْتِلَافُ أَخَوَيْنِ بِالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ.
وَمَعْنَى ابْنَيْ آدَمَ هُنَا وَلَدَاهُ. وَأَمَّا ابْنُ آدَمَ مُفْرَدًا فَقَدْ يُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْبَشَرِ