تَنَاذَرَهَا الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سَمْعِهَا أَيْ مِنْ سُوءِ طَاعَتِهَا لِلرُّقْيَةِ، أَيْ عَدَمِ نَجَاحِ الرُّقْيَةِ فِي سُمِّهَا. وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى لِأَنَّ النِّعْمَةَ تَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ مُسْدِيهَا. وَشُكْرُ اللَّهِ تَقْوَاهُ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تَذْيِيلٌ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ إِضْمَارِ الْمَعَاصِي وَمِنْ تَوَهُّمِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ إِلَّا مَا يَبْدُو مِنْهُمْ. وَحَرْفُ (إِنَّ) أَفَادَ أَنَّ الْجُمْلَةَ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهَا عَلَى الْأُسْلُوبِ الْمُقَرَّرِ فِي الْبَلَاغَةِ فِي قَوْلِ بَشَّارٍ:

إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التبكير [8]

[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 8]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8)

لَمَّا ذَكَّرَهُمْ بِالنِّعْمَةِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِطَلَبِ الشُّكْرِ لِلْمُنْعِمِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، فَأَقْبَلَ عَلَى خِطَابِهِمْ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ مَنْبَعُ النِّعَمِ الْحَاصِلَةِ لَهُمْ.

فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ نَشَأَ عَنْ تَرَقُّبِ السَّامِعِينَ بَعْدَ تَعْدَادِ النِّعَمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَلَكِنَّ آيَةَ سُورَةِ النِّسَاءِ [135] تَقُولُ: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَمَا هُنَا بِالْعَكْسِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَرَدَتْ عَقِبَ آيَاتِ الْقَضَاءِ فِي الْحُقُوقِ الْمُبْتَدَأَةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [النِّسَاء:

105] ، ثُمَّ تَعَرَّضَتْ لِقَضِيَّةِ بَنِي أُبَيْرِقٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النِّسَاء: 105] ، ثُمَّ أُرْدِفَتْ بِأَحْكَامِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَكَانَ الْأَهَمُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015