وَقَوْلُهُ: وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ وَالْوُضُوءِ التَّطْهِيرَ وَهُوَ تَطْهِيرٌ حِسِّيٌّ لِأَنَّهُ تَنْظِيفٌ، وَتَطْهِيرٌ نَفْسِيٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِ لَمَّا جَعَلَهُ عِبَادَةً فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عِدَّةِ أَسْرَارٍ: مِنْهَا مَا تَهْتَدِي إِلَيْهِ الْأَفْهَامُ وَنُعَبِّرُ عَنْهَا بالحكمة وَمِنْهَا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، كَكَوْنِ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِذَا ذُكِرَتْ حِكَمٌ لِلْعِبَادَاتِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحِكَمَ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا عَلِمْنَاهُ وَإِنَّمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْ كُلٍّ وَظَنٌّ لَا يَبْلُغُ مُنْتَهَى الْعِلْمِ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْمَاءُ عَوَّضَ بِالتَّيَمُّمِ، وَلَوْ أَرَادَ الْحَرَجَ لَكَلَّفَهُمْ طَلَبَ الْمَاءِ وَلَوْ بِالثَّمَنِ أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يُوجَدَ الْمَاءُ ثُمَّ يَقْضُونَ الْجَمِيعَ. فَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ فِيهِ تَطْهِيرٌ حِسِّيٌّ وَفِيهِ التَّطْهِيرُ النَّفْسِيُّ الَّذِي فِي الْوُضُوءِ لَمَّا جُعِلَ التَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنِ الْوُضُوءِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَقَوْلُهُ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ أَيْ يُكْمِلَ النِّعَمَ الْمَوْجُودَةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِنِعْمَةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ وَيُكْمِلُ نِعْمَةَ الْإِسْلَامِ بِزِيَادَةِ أَحْكَامِهِ الرَّاجِعَةِ إِلَى التَّزْكِيَةِ وَالتَّطْهِيرِ مَعَ التَّيْسِيرِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ. فَالْإِتْمَامُ إِمَّا بِزِيَادَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ النِّعَمِ لَمْ تَكُنْ، وَإِمَّا بِتَكْثِيرِ فُرُوعِ النَّوْعِ مِنَ النِّعَمِ.
وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ رَجَاءَ شُكْرِكُمْ إِيَّاهُ. جَعَلَ الشُّكْرَ عِلَّةً لِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ بِأَنِ اسْتُعِيرَتْ صِيغَةُ الرَّجَاءِ إِلَى الْأَمْرِ لِقَصْدِ الْحَثِّ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ المستقرب الْحُصُول.
[7]
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)
عَطَفَ عَلَى جُمْلَةِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [الْمَائِدَة: 6] الْآيَةَ الْوَاقِعَةَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [الْمَائِدَة: 6] الْآيَةَ.
وَالْكَلَامُ مُرْتَبِطٌ بِمَا افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لِأَنَّ فِي التَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ تَعْرِيضًا بِالْحَثِّ عَلَى الْوَفَاءِ.
ذَكَّرَهُمْ بِنِعَمٍ مَضَتْ تَذْكِيرًا يُقْصَدُ مِنْهُ الْحَثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَعَلَى الْوَفَاءِ