وَقَوْلُهُ: وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا تَذْيِيلٌ، وَالْوَكِيلُ الْحَافِظُ، وَالْمُرَادُ هُنَا حَافِظُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَيِ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا. وَحُذِفَ مَفْعُولُ (كَفَى) لِلْعُمُومِ، أَيْ كَفَى كُلَّ أَحَدٍ، أَيْ فَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَتَوَكَّلُوا عَلَى مَنْ تَزْعُمُونَهُ ابْنًا لَهُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا فِي هَذِه السُّورَة.

[172، 173]

[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 172 إِلَى 173]

لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173)

اسْتِئْنَافٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ تَحْقِيقِ جُمْلَةِ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [النِّسَاء: 171] أَوْ مَوْقِعَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ [النِّسَاء: 171] .

وَالِاسْتِنْكَافُ: التَّكَبُّرُ وَالِامْتِنَاعُ بِأَنَفَةٍ، فَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الِاسْتِكْبَارِ، وَنَفْيُ اسْتِنْكَافِ الْمَسِيحِ: إِمَّا إِخْبَارٌ عَنِ اعْتِرَافِ عِيسَى بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَإِمَّا احْتِجَاجٌ عَلَى النَّصَارَى بِمَا يُوجَدُ فِي أَنَاجِيلِهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ [مَرْيَم: 30] إِلَخْ.

وَفِي نُصُوصِ الْإِنْجِيلِ كَثِيرٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ إِلَهُهُ وَرَبُّهُ، كَمَا فِي مُجَادَلَتِهِ مَعَ إِبْلِيسَ، فَقَدْ قَالَ لَهُ الْمَسِيحُ «لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» .

وَعُدِلَ عَنْ طَرِيقِ الْإِضَافَةِ فِي قَوْله: بْداً لِلَّهِ

فَأُظْهِرَ الْحَرْفُ الَّذِي تُقَدَّرُ الْإِضَافَةُ عَلَيْهِ: لِأَنَّ التَّنْكِيرَ هُنَا أَظْهَرُ فِي الْعُبُودِيَّةِ، أَيْ عَبْدًا مِنْ جُمْلَةِ الْعَبِيدِ، وَلَوْ قَالَ: عَبْدَ اللَّهِ لَأَوْهَمَتِ الْإِضَافَةُ أَنَّهُ الْعَبْدُ الْخِصِّيصُ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَمٌ لَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015