وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ وَنَحْوَهُ هُوَ مَظْهَرُ تَأْوِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ حِينَ أَتَمُّوهَا وَقَرَأَهَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَأَرَى لَحْنًا قَلِيلًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا» . وَهَذِهِ أَوْهَامٌ وَأَخْبَارٌ لَمْ تَصِحَّ عَنِ الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْبَعِيدِ جدّا أَن يخطىء كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي كَلِمَةٍ بَيْنَ أَخَوَاتِهَا فَيُفْرِدَهَا بِالْخَطَأِ دُونَ سَابِقَتِهَا أَوْ تَابِعَتِهَا، وَأَبْعَدَ مِنْهُ أَنْ يَجِيءَ الْخَطَأُ فِي طَائِفَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَهِيَ الَّتِي إِعْرَابُهَا بِالْحُرُوفِ النَّائِبَةِ عَنْ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ مِنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى حَدِّهِ. وَلَا أَحْسَبُ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ صَحِيحًا. وَقَدْ عَلِمْتُ وَجْهَ عَرَبِيَّتِهِ فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَأَمَّا وَجْهُ عَرَبِيَّةِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَام فِي سُورَةِ طه [63] .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ عُثْمَانَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ نَحْوِ الْأَلِفَاتِ الْمَحْذُوفَةِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «وَهُمْ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [177] .

وَالْوَعْدُ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاسِخِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِرَسُولِهِمْ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ

وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ لَهُمْ أَجْرَيْنِ،

وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوا غَيْرَهُمْ بِالْإِيمَانِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سَنُؤْتِيهِمْ- بِنُونِ الْعَظَمَةِ- وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَخَلَفٌ- بِيَاءِ الْغَيْبَةِ- وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.

[163- 165]

[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 163 إِلَى 165]

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015