أَنَّهُمْ قَتَلُوا الْمَسِيحَ، وَهِيَ مَا رَأَوْهُ ظَاهِرًا مِنْ وُقُوعِ قَتْلٍ وَصَلْبٍ عَلَى ذَاتٍ يَعْتَقِدُونَهَا ذَاتَ الْمَسِيحِ، وَبِهَذَا وَرَدَتِ الْآثَارُ فِي تَأْوِيلِ كَيْفِيَّةِ مَعْنَى الشَّبَهِ.
وَقَوْلُهُ: شُبِّهَ لَهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ زَعَمُوا قَتْلَهُمُ الْمَسِيحَ فِي زَمَانِهِمْ قَدْ شُبِّهَ لَهُمْ مُشَبَّهٌ بِالْمَسِيحِ فَقَتَلُوهُ، وَنَجَّى اللَّهُ الْمَسِيحَ مِنْ إِهَانَةِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: شُبِّهَ فِعْلًا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، مُشْتَقًّا مِنَ الشَّبَهِ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الصُّورَةِ. وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ نَائِبَ فَاعل (شبّه) للدلالة فِعْلِ (شُبِّهَ) عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ: شُبِّهَ مُشَبَّهٌ فَيَكُونُ «لَهُمْ» نَائِبًا عَنِ الْفَاعِلِ. وَضَمِيرُ (لَهُمْ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ قَالُوا:
إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَهُمْ يَهُودُ زَمَانِهِ، أَيْ وَقَعَتْ لَهُمُ الْمُشَابَهَةُ، وَاللَّامُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى عِنْدَ كَمَا تَقُولُ: حَصَلَ لِي ظَنٌّ بِكَذَا. وَالِاسْتِدْرَاكُ بَيِّنٌ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَلَكِنْ شُبِّهَ لِلْيَهُودِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ خَبَرُ صَلْبِ الْمَسِيحِ، أَيِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ بِالصِّدْقِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْعَرَبِ: خُيِّلَ إِلَيْكَ، وَاخْتَلَطَ عَلَى فُلَانٍ. وَلَيْسَ ثَمَّةَ شَبِيهٌ بِعِيسَى وَلَكِنَّ الْكَذِبَ فِي خَبَرِهِ شَبِيهٌ بِالصِّدْقِ، وَاللَّامُ عَلَى هَذَا لَامُ الْأَجَل: أَي لَيْسَ الْخَبَرُ كَذِبُهُ بِالصِّدْقِ لِأَجْلِهِمْ، أَيْ لِتَضْلِيلِهِمْ، أَيْ أَنَّ كُبَرَاءَهُمُ اخْتَلَقُوهُ لَهُمْ لِيُبَرِّدُوا غَلِيلَهُمْ مِنَ الْحَنَقِ عَلَى عِيسَى إِذْ جَاءَ بِإِبْطَالِ ضَلَالَاتِهِمْ. أَوْ تَكُونُ اللَّامُ بِمَعْنَى- عَلَى- لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الْإِسْرَاء: 7] . وَنُكْتَةُ الْعُدُولِ عَنْ حَرْفٍ- عَلَى- تَضْمِينِ فِعْلِ شُبِّهَ مَعْنَى صُنِعَ، أَيْ صَنَعَ الْأَحْبَارُ هَذَا الْخَبَرَ لِأَجْلِ إِدْخَالِ الشُّبْهَةِ عَلَى عَامَّتِهِمْ.
وَفِي الْأَخْبَارِ أَنَّ (يَهُوذَا الِاسْخِرْيُوطِيَّ) أَحَدُ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ، وَكَانَ قَدْ ضَلَّ وَنَافَقَ، هُوَ الَّذِي وَشَى بِعِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ الَّذِي أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسَى، وَأَنَّهُ الَّذِي صُلِبَ، وَهَذَا أَصْلُهُ فِي إِنْجِيلِ بِرَنَابِي أَحَدُ تَلَامِيذِ الْحَوَارِيِّينَ، وَهَذَا يُلَائِمُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ.
وَيُقَالُ: إِنَّ (بِيلَاطِسَ) ، وَالِيَ فِلَسْطِينَ، سُئِلَ فِي رُومَةَ عَنْ قَضِيَّةِ قَتْلِ عِيسَى وَصَلْبِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، فَتَأَيَّدَ بِذَلِكَ اضْطِرَابُ