فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ [النِّسَاء: 61] الْآيَةَ، لِأَنَّ الصُّدُودَ عَنْ ذَلِكَ يُوجِبُ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَيُوشِكُ أَنْ يُصِيبَهُمُ اللَّهُ بِمُصِيبَةٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، مِثْلَ انْكِشَافِ حَالِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيُعْرَفُوا بِالْكُفْرِ فَيُصْبِحُوا مُهَدَّدِينَ، أَوْ مُصِيبَةٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُظْهِرُوا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَأَنْ يَقْتُلُوهُمْ لِنِفَاقِهِمْ فَيَجِيئُوا يَعْتَذِرُونَ بِأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِالتَّحَاكُمِ إِلَى أَهْلِ الطَّاغُوتِ إِلَّا قَصْدَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَتَأْلِيفِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا وَعِيد لَهُم لِأَنَّ إِذا لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَالْفِعْلَانِ بَعْدَهَا:
وهما أَصابَتْهُمْ وجاؤُكَ مُسْتَقْبَلَانِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقتلُوا تقتيلا» .
وفَكَيْفَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مَعْلُومٍ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ: أَيْ كَيْفَ حَالُهُمْ حِينَ تُصِيبُهُمْ مُصِيبَةٌ بِسَبَبِ مَا فَعَلُوا فَيَجِيئُونَكَ مُعْتَذِرِينَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْوِيلِ، كَمَا تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى آنِفًا: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ.
وَتَرْكِيبُ «كَيْفَ بِكَ» يُقَالُ إِذَا أُرِيدَتْ بِشَارَةٌ أَوْ وَعِيدٌ تَعْجِيبًا أَوْ تَهْوِيلًا. فَمِنَ الْأَوَّلِ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ: «كَيفَ بك إِذْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى»
بِشَارَةً بِأَنَّ سِوَارَيْ كِسْرَى سَيَقَعَانِ بِيَدِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا أُتِيَ بِسِوَارَيْ كِسْرَى فِي غَنَائِمِ فتح فَارس ألبسهما عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ تَحْقِيقًا لِمُعْجِزَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.