نَجَابَةِ الْوَلَدِ، وَأَحْسَبُ أَنَّ هَذَا كَانَ يَقَعُ بِتَرَاضٍ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَالْمَقْصِدُ لَا يَنْحَصِرُ فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَقَدْ يَكُونُ لِبَذْلِ مَالٍ أَوْ صُحْبَةٍ. فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ عَقْدٍ عَلَى نِكَاحِ ذَاتِ الزَّوْجِ، أَيْ تَحْرِيمِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجٍ وَاحِدٍ. وَأَفَادَتِ الْآيَةُ تَعْمِيمَ حُرْمَتِهِنَّ وَلَوْ كَانَ أَزْوَاجُهُنَّ مُشْرِكِينَ، وَلِذَلِكَ لَزِمَ الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أَيْ إِلَّا اللَّائِي سَبَيْتُمُوهُنَّ فِي الْحَرْبِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كِنَايَةٌ عَنِ الْيَدِ حِينَ تُمْسِكُ السَّيْفَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ السَّبْيَ هَادِمًا لِلنِّكَاحِ تَقْرِيرًا لِمُعْتَادِ الْأُمَمِ فِي الْحُرُوبِ، وَتَخْوِيفًا أَنْ لَا يُنَاصِبُوا الْإِسْلَامَ لِأَنَّهُمْ لَوْ رُفِعَ عَنْهُمُ السَّبْيُ لَتَكَالَبُوا عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ لَا شَيْءَ يَحْذَرُهُ الْعَرَبِيُّ مِنَ الْحَرْبِ أَشَدُّ مِنْ سَبْيِ نِسْوَتِهِ، ثُمَّ مِنْ أَسْرِهِ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
حِذَارًا عَلَى أَنْ لَا تُنَالَ مَقَادَتِي ... وَلَا نِسْوَتِي حَتَّى يَمُتْنَ حَرَائِرَا
وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ سَبْيَ الْمَرْأَةِ دُونَ زَوْجِهَا يَهْدِمُ النِّكَاحَ، وَيُحِلُّهَا لِمَنْ وَقَعَتْ فِي قِسْمَتِهِ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمَغَانِمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي تُسْبَى مَعَ زَوْجِهَا: فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ سَبْيَهَا يَهْدِمُ نِكَاحَهَا، وَهَذَا إِغْضَاءٌ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ لِأَجْلِهَا إِبْقَاءُ حُكْمِ الِاسْتِرْقَاقِ بِالْأَسْرِ. وَأَوْمَأَتْ إِلَيْهَا الصِّلَةُ بِقَوْلِهِ: مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَإِلَّا لَقَالَ: إِلَّا مَا تَرَكَتْ
أَزْوَاجَهُنَّ.
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّ دُخُولَ الْأَمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ فِي مِلْكٍ جَدِيدٍ غَيْرِ مِلْكِ الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ يُسَوِّغُ لِمَالِكِهَا الْجَدِيدِ إِبْطَالَ عَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، كَالَّتِي تُبَاعُ أَوْ تُوهَبُ أَوْ تُورَثُ، فَانْتِقَالُ الْمِلْكِ عِنْدَهُمْ طَلَاقٌ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ شُذُوذٌ فَإِنَّ مَالِكَهَا الثَّانِيَ إِنَّمَا اشْتَرَاهَا عَالِمًا بِأَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ، وَكَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَصْحِيحُ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِبْقَاءُ صِيغَةِ الْمُضِيِّ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي قَوْلِهِ: مَلَكَتْ أَيْ مَا كُنَّ مَمْلُوكَاتٍ لَهُمْ مِنْ قَبْلُ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: مَلَكَتْ مَا تَجَدَّدَ مِلْكُهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ حُرَّةً ذَاتَ زَوْجٍ. فَالْفِعْلُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى التَّجَدُّدِ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَحَيَّرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا يَعْلَمُ تَفْسِيرَهَا لَضَرَبْتُ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ» . وَلَعَلَّهُ يَعْنِي مَنْ يَعْلَمُ تَفْسِيرَهَا عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ