أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ فَهُوَ كَالْبَيَانِ لِتَوْفِيَةِ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ لِلْمُمَاثَلَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ فَهُوَ بِمَعْنَى لَا يَسْتَوُونَ. وَالِاتِّبَاعُ هُنَا بِمَعْنَى التَّطَلُّبِ: شَبَّهَ حَالَ الْمُتَوَخِّي بِأَفْعَالِهِ رِضَى اللَّهِ بِحَالِ الْمُتَطَلِّبِ لِطِلْبَةٍ فَهُوَ يَتْبَعُهَا حَيْثُ حَلَّ لِيَقْتَنِصَهَا، وَفِي هَذَا التَّشْبِيهِ حُسْنُ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ التَّحْصِيلَ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى مُحْتَاجٌ إِلَى فَرْطِ اهْتِمَامٍ، وَفِي فِعْلِ (بَاءَ) مِنْ قَوْلِهِ: كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ تَمْثِيلٌ لِحَالِ صَاحِبِ الْمَعَاصِي بِالَّذِي خَرَجَ يَطْلُبُ مَا يَنْفَعُهُ فَرَجَعَ بِمَا يَضُرُّهُ، أَوْ رَجَعَ بِالْخَيْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [16] . وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ حَالُ أَهْلِ الطَّاعَةِ وَأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ، أَوْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ.
وَقَوْلُهُ: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ عَادَ الضّمير ل فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ، وَلِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: دَرَجاتٌ لِأَنَّ الدَّرَجَاتِ مَنَازِلُ رِفْعَةٍ.
وَقَوْلُهُ: عِنْدَ اللَّهِ تشريف لمنازلهم.
[164]
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)
اسْتِئْنَافٌ لِتَذْكِيرِ رِجَالِ يَوْمِ أُحُدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَمُنَاسَبَةِ ذِكْرِهِ هُنَا أَنَّ فِيهِ مِنَ التَّسْلِيَةِ عَلَى مُصِيبَةِ الْهَزِيمَةِ حَظًّا عَظِيمًا، إِذْ قَدْ