لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ الْمَحْضِ أَنْ يَعْطِفَ بِهَا الْأَوْصَافَ نَحْوَ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً [الصافات: 1، 2] أَوْ أَسْمَاءَ الْأَمَاكِنِ نَحْوَ قَوْلِهِ:

بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ ... فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ ... إِلَخْ

وَالِانْقِلَابُ: الرُّجُوعُ إِلَى الْمَكَانِ، يُقَالُ: انْقَلَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، أَيْ حَالِ الْكُفْرِ. وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ يَكُونُ مُسَبَّبًا عَلَى طَرِيقٍ. وَالْأَعْقَابُ جَمْعُ عقب وَهُوَ مؤخّر الرَّجُلِ،

وَفِي الْحَدِيثِ «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النّار»

وَالْمرَاد مِنْهُ جِهَةُ الْأَعْقَابِ أَيِ الْوَرَاءُ.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً أَيْ شَيْئًا مِنَ الضُّرِّ، وَلَوْ قَلِيلًا، لِأَنَّ الِارْتِدَادَ عَنِ الدِّينِ إِبْطَالٌ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ النَّاسِ، فَالْمُرْتَدُّ يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَبِالنَّاسِ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الشَّاكِرَ الثَّابِتَ عَلَى الْإِيمَانِ يُجَازَى بِالشُّكْرِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي صَلَاح نَفسه وَصَلَاح النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّلَاحَ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.

وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ الْعِتَابُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنَ الِاضْطِرَابِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى الَّذِينَ ثَبَتُوا وَوَعَظُوا النَّاسَ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ وُقُوعِ الِارْتِدَادِ عِنْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَقَدْ وَقَعَ مَا حَذَّرَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا ارْتَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَظَنُّوا اتِّبَاعَ الرَّسُولِ مَقْصُورًا عَلَى حَيَاتِهِ، ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْآيَةُ فِيهَا إِنْبَاءٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ.

[145]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 145]

وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)

وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا.

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاو اعتراضية.

فَإِن كَانَت مِنْ تَتِمَّةِ الْإِنْكَارِ عَلَى هَلَعِهِمْ عِنْدَ ظَنِّ مَوْتِ الرَّسُولِ، فَالْمَقْصُودُ عُمُومُ الْأَنْفُسِ لَا خُصُوصُ نَفْسِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَتَكُونُ الْآيَةُ لَوْمًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى ذُهُولِهِمْ عَنْ حِفْظِ اللَّهِ رَسُولَهُ مِنْ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ، وَمِنْ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015