وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ حَالِيَّةٌ، وَهِيَ مَحَطُّ الِاسْتِبْعَادِ وَالنَّفْيِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ تِلَاوَةِ آيَاتِ اللَّهِ وَإِقَامَةِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِيهِمْ وَازِعٌ لَهُمْ عَنِ الْكُفْرِ، وَأَيُّ وَازِعٍ، فَالْآيَاتُ هُنَا هِيَ الْقُرْآنُ وَمَوَاعِظُهُ.
وَالظَّرْفِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: وَفِيكُمْ رَسُولُهُ حَقِيقِيَّةٌ وَمُؤْذِنَةٌ بِمَنْقَبَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمِنَّةٍ جَلِيلَةٍ، وَهِيَ وُجُودُ هَذَا الرَّسُولِ الْعَظِيمِ بَيْنَهُمْ، تِلْكَ الْمَزِيَّةُ الَّتِي فَازَ بِهَا أَصْحَابُهُ الْمُخَاطَبُونَ. وَبِهَا- يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «لَا تسبّوا أَصْحَابِي فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»
النَّصِيفُ نِصْفُ مُدٍّ.
وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ لَهُمْ وَازِعَيْنِ عَنْ مُوَاقَعَةِ الضَّلَالِ: سَمَاعُ الْقُرْآنِ، وَمُشَاهَدَةُ أَنْوَارِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَإِنَّ وُجُودَهُ عِصْمَةٌ مِنْ ضَلَالِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ:
أَمَّا الرَّسُولُ فَقَدْ مَضَى إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْكِتَابُ فَبَاقٍ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ.
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ مَنْ يَتَمَسَّكُ بالدّين فَلَا يخْش عَلَيْهِ الضَّلَالُ. فَالِاعْتِصَامُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ لِلتَّمَسُّكِ.
وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَدِينِهِ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا حَيَاةَ
رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[102، 103]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ