وَعُبِّرَ عَنْ تَكْوِينِ اللَّهِ لِعِيسَى بِفِعْلِ يَخْلُقُ: لِأَنَّهُ إِيجَادُ كَائِنٍ مِنْ غَيْرِ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ لِإِيجَادِ مِثْلِهِ، فَهُوَ خَلْقٌ أنف غير ناشىء عَنْ أَسْبَابِ إِيجَادِ النَّاسِ، فَكَانَ لِفِعْلِ يَخْلُقُ هُنَا مَوْقِعٌ مُتَعَيِّنٌ، فَإِنَّ الصَّانِعَ إِذَا صَنَعَ شَيْئًا مِنْ مَوَادَّ مُعْتَادَةٍ وَصَنْعَةٍ مُعْتَادَةٍ، لَا يَقُولُ خَلَقْتُ وَإِنَّمَا يَقُول صنعت.
[48، 49]
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
جُمْلَةُ وَيُعَلِّمُهُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمرَان: 46] بَعْدَ انْتِهَاءِ الِاعْتِرَاضِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَعَاصِمٌ: وَيُعَلِّمُهُ- بِالتَّحْتِيَّةِ- أَيْ يُعَلِّمُهُ اللَّهُ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِنُونِ
الْعَظَمَةِ، عَلَى الِالْتِفَاتِ.
وَالْكِتَابُ مُرَادٌ بِهِ الْكِتَابُ الْمَعْهُودُ. وَعَطْفُ التَّوْرَاةِ تَمْهِيدٌ لِعَطْفِ الْإِنْجِيلِ- وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ- وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
وَرَسُولًا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ (يُعَلِّمُهُ) لِأَنَّ جُمْلَةَ الْحَالِ، لِكَوْنِهَا ذَاتَ مَحَلٍّ مِنَ الْإِعْرَابِ، هِيَ فِي قُوَّةِ الْمُفْرَدِ فَنُصِبَ رَسُولًا عَلَى الْحَالِ، وَصَاحِبُ الْحَالِ هُوَ قَوْلُهُ بِكَلِمَةٍ، فَهُوَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ.
وَفَتْحُ هَمْزَةِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ لِتَقْدِيرِ بَاءِ الْجَرِّ بَعْدَ رَسُولًا، أَيْ رَسُولًا بِهَذَا الْمَقَالِ لِمَا تَضَمَّنَهُ وَصْفُ رَسُولًا مِنْ كَوْنِهِ مَبْعُوثًا بِكَلَامٍ، فَهَذَا مَبْدَأُ كَلَامٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ.