تَشْنِيعٌ، أَوْ تَوَعُّدٌ بِسُوءِ الْحَالِ فِي الدُّنْيَا وَلُقِيِّ الْمَتَاعِبِ وَمَرَارَةِ الْحَيَاةِ تَحْتَ صُورَةٍ يَخَالُهَا الرَّائِي مُسْتَقِيمَةً.

وَالتَّخَبُّطُ مُطَاوِعُ خَبَطَهُ إِذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَاضْطَرَبَ لَهُ، أَيْ تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا، وَلَمَّا كَانَ مِنْ لَازِمِ هَذَا التَّحَرُّكِ عَدَمُ الِاتِّسَاقِ، أَطْلَقَ التَّخَبُّطَ عَلَى اضْطِرَابِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ اتِّسَاقٍ. ثُمَّ إِنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إِلَى فِعْلِ الْمُطَاوَعَةِ فَيَجْعَلُونَهُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولٍ إِذَا أَرَادُوا الِاخْتِصَارَ، فَعِوَضًا عَنْ أَنْ يَقُولُوا خَبَطَهُ فَتَخَبَّطَ يَقُولُونَ تَخَبَّطَهُ كَمَا قَالُوا: اضْطَرَّهُ إِلَى كَذَا.

فَتَخَبُّطُ الشَّيْطَانِ الْمَرْءَ جَعْلُهُ إِيَّاهُ مُتَخَبِّطًا، أَيْ مُتَحَرِّكًا عَلَى غَيْرِ اتِّسَاقٍ.

وَالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَجْنُون الذيب أَصَابَهُ الصَّرْعُ. فَيَضْطَرِبُ بِهِ اضْطِرَابَاتٍ،

وَيَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ، فَلَمَّا شبهت الهيأة بالهيأة جِيءَ فِي لفظ الهيأة الْمُشَبَّهِ بِهَا بِالْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا فِي كَلَامِهِمْ وَإِلَّا لما فهمت الهيأة الْمُشَبَّهُ بِهَا، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ. قَالَ الْأَعْشَى يَصِفُ نَاقَتَهُ بِالنَّشَاطِ وَسُرْعَةِ السَّيْرِ، بَعْدَ أَنْ سَارَتْ لَيْلًا كَامِلًا:

وَتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى وَكَأَنَّهَا ... أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الْجِنِّ أَوْلَقُ (?)

وَالْمَسُّ فِي الْأَصْلِ هُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ كَقَوْلِهَا (?)

: «الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ» ، وَهُوَ إِذَا أُطْلِقَ مُعَرَّفًا بِدُونِ عَهْدِ مَسٍّ مَعْرُوفٍ دَلَّ عِنْدَهُمْ عَلَى مَسِّ الْجِنِّ، فَيَقُولُونَ: رَجُلٌ مَمْسُوسٌ أَيْ مَجْنُونٌ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ مِنَ الْمَسِّ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْ تَخَبُّطِ الشَّيْطَانِ فَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ تَخَبُّطٌ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الْوَسْوَسَةِ. وَ (مِنْ) ابتدائية مُتَعَلقَة بيتخبّطه لَا مَحَالَةَ.

وَهَذَا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ جَارٍ عَلَى مَا عَهِدَهُ الْعَرَبِيُّ مِثْلَ قَوْلِهِ: «طلعها كأنّه رُؤُوس الشَّيَاطِينِ» ، وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ

إِلَّا أنّ هَذَا أَثَره مُشَاهَدٌ وَعِلَّتُهُ مُتَخَيَّلَةٌ وَالْآخَرَانِ مُتَخَيَّلَانِ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ تَأْثِيرَ الشَّيَاطِينِ بِغَيْرِ الْوَسْوَسَةِ. وَعِنْدَنَا هُوَ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى تَخَيِيلِهِمْ وَالصَّرَعُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ عِلَلٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015