لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لَا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
لِلْفُقَراءِ مُتَعَلِّقٌ بـ تنفقون الْأَخير، وَتَعَلُّقُهُ بِهِ يُؤذن بتعلّق مَعْنَاهُ بِنَظَائِرِهِ الْمُقَدَّمَةِ، فَمَا مِنْ نَفَقَةٍ ذُكِرَتْ آنِفًا إِلَّا وَهِيَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْجُمَلَ قَدْ عَضَّدَ بَعْضُهَا بَعْضًا.
والَّذِينَ أُحْصِرُوا أَيْ حُبِسُوا وَأُرْصِدُوا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِيلِ اللَّهِ هُنَا
الْجِهَادُ فَإِنْ كَانَ نُزُولُهَا فِي قَوْمٍ جُرِحُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فصاروا زمنى فَفِي للسبيبة وَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ الْمَشْيُ لِلْجِهَادِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِمْ لِعَجْزِهِمُ الْحَاصِلِ بِالْجِهَادِ وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا بِصَدَدِ الْقِتَالِ يَحْتَاجُونَ للمعونة، فَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلَ الصُّفَّةِ (?) ، وَهُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالهمْ بِمَكَّة وجاؤوا دَارَ الْهِجْرَةِ لَا يَسْتَطِيعُونَ زِرَاعَةً وَلَا تِجَارَةً، فَمَعْنَى أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِيقُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ لِأَجْلِ سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْهِجْرَة، فَفِي لِلتَّعْلِيلِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِي كُلِّ سِرِّيَّةٍ يَبْعَثُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ فَسَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْجِهَادُ. وَمَعْنَى «أُحْصِرُوا» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أُرْصِدُوا. وَ (فِي) بَاقِيَةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً أَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنِ التِّجَارَةِ لِقِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ، وَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ كِنَايَةٌ عَنِ التَّجَرِ لِأَنَّ شَأْنَ التَّاجِرِ أَنْ يُسَافِرَ لِيَبْتَاعَ وَيَبِيعَ فَهُوَ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِرِجْلَيْهِ أَوْ دَابَّتِهِ.