أَظْهَرُ فِي إِرَادَةِ عُمُومِ الْإِنْفَاقِ الْمَطْلُوبِ فِي الْإِسْلَامِ، فَالْمُرَادُ بِالْإِنْفَاقِ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ حُذِفَ الْمَفْعُولُ وَالْمُتَعَلِّقُ لِقَصْدِ الِانْتِقَالِ إِلَى الْأَمْرِ بِالصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرِهَا، وَسَتَجِيءُ آيَاتٌ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: مِمَّا رَزَقْناكُمْ حَثٌّ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَاسْتِحْقَاقٌ فِيهِ.

وَقَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ حَثٌّ آخَرُ لِأَنَّهُ يُذَكِّرُ بِأَنَّ هُنَالِكَ وَقْتًا تَنْتَهِي الْأَعْمَالُ إِلَيْهِ وَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِدْرَاكُ فِيهِ، وَالْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَانْتِفَاءُ الْبَيْعِ وَالْخُلَّةِ وَالشَّفَاعَةِ كِنَايَةٌ عَنْ تَعَذُّرِ التَّدَارُكِ لِلْفَائِتِ، لِأَنَّ الْمَرْءَ يُحَصِّلُ مَا يَعُوزُهُ بِطُرُقٍ هِيَ الْمُعَاوَضَةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْبَيْعِ، وَالِارْتِفَاقِ مِنَ الْغَيْرِ وَذَلِكَ بِسَبَبِ الْخُلَّةِ، أَوْ بِسَبَبِ تَوَسُّطِ الْوَاسِطَةِ إِلَى مَنْ لَيْسَ بِخَلِيلٍ.

وَالْخُلَّةُ- بِضَمِّ الْخَاءِ- الْمَوَدَّةُ وَالصُّحْبَةُ، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْخَاءِ وَلَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ، وَتُطْلَقُ الْخُلَّةُ بِالضَّمِّ عَلَى الصَّدِيقِ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَغَيْرُهُ وَالْمُذَكَّرُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَمَاسِيُّ:

أَلَا أَبْلِغَا خُلَّتِي رَاشِدًا ... وَصِنْوِي قَدِيمًا إِذَا مَا اتَّصَلْ

وَقَالَ كَعْبٌ: أَكْرِمْ بِهَا خُلَّةً، الْبَيْتَ.

فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ هُنَا بِالْخُلَّةِ الْمَوَدَّةُ، وَنَفْيُ الْمَوَدَّةِ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ أَثَرِهَا وَهُوَ الدَّفْعُ عَنِ الْخَلِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً [لُقْمَان: 33] ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْخَلِيلِ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ لَازِمِهِ وَهُوَ النَّفْعُ كَقَوْلِهِ: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ [الشُّعَرَاء: 88] ، قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

وَقَالَ كُلُّ خَلِيلٍ كُنْتُ آمُلُهُ ... لَا أُلْهِيَنَّكَ إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَا بَيْعٌ فِيهِ- وَمَا بَعْدَهُ- بِالرَّفْعِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْعِ وَالْخُلَّةِ وَالشَّفَاعَةِ

الْأَجْنَاسُ لَا مَحَالَةَ، إِذْ هِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَعَانِي الَّتِي لَا آحَادَ لَهَا فِي الْخَارِجِ فَهِيَ أَسْمَاءُ أَجْنَاسٍ لَا نَكِرَاتٌ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ نَفْيُهَا إِرَادَةَ نَفْيِ الْوَاحِدِ حَتَّى يَحْتَاجَ عِنْدَ قَصْدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015