وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْجَيْشِ إِذَا بَلَغَ الْأُلُوفَ لَا يُغْلَبُ مِنْ قِلَّةٍ. فَقِيلَ هم من نَبِي إِسْرَائِيلَ خالفوا على نَبِي لَهُمْ فِي دَعْوَتِهِ إِيَّاهُمْ لِلْجِهَادِ، فَفَارَقُوا وَطَنهمْ فِرَارًا مِنِ الْجِهَادِ، وَهَذَا الْأَظْهَر، فَتَكُونُ الْقِصَّةُ تَمْثِيلًا لِحَالِ أَهْلِ الْجُبْنِ فِي الْقِتَالِ، بِحَالِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ، بِجَامِعِ الْجُبْنِ وَكَانَت الْحَالة الشّبَه بِهَا أَظْهَرَ فِي صِفَةِ الْجُبْنِ وَأَفْظَعَ، مِثْلَ تَمْثِيلِ

حَالِ الْمُتَرَدِّدِ فِي شَيْءٍ بِحَالِ مَنْ يُقَدِّمُ رِجْلًا وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى، فَلَا يُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى تَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا أَرْجَحُ الْوُجُوهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ أَنْ تَكُونَ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الشَّهِيرَةِ وَبِخَاصَّةٍ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَقِيلَ هُمْ مِنْ قَوْمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَهْلِ دَاوَرْدَانَ قُرْبَ وَاسِطَ (?) وَقَعَ طَاعُونٌ بِبَلَدِهِمْ فَخَرَجُوا إِلَى وَادٍ أَفْيَحَ فَرَمَاهُمُ اللَّهُ بِدَاءِ مَوْتٍ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى انْتفَخُوا وَنَتَنَتْ أَجْسَامُهُمْ ثُمَّ أَحْيَاهَا. وَقِيلَ هُمْ مِنْ أَهْلِ أَذْرُعَاتٍ، بِجِهَاتِ الشَّامِ. وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمْ بِدَعْوَةِ النَّبِيءِ حِزْقِيَالِ بْن بُوزِي (?) فَتَكُونُ الْقِصَّةُ اسْتِعَارَةً شَبَّهَ الَّذِينَ يَجْبُنُونَ عَنِ الْقِتَالِ بِالَّذِينَ يَجْبُنُونَ مِنَ الطَّاعُونِ، بِجَامِعِ خَوْفِ الْمَوْتِ، وَالْمُشَبَّهُونَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَامَرَهُمُ الْجُبْنُ لَمَّا دُعُوا إِلَى الْجِهَادِ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ فَرِيقٌ مَفْرُوضٌ وُقُوعُهُ قَبْل أَنْ يَقَعَ، لِقَطْعِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي قَدْ تَخْطُرُ فِي قُلُوبِهِمْ.

وَفِي «تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ» عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ هَذَا مَثَلٌ لَا قِصَّةٌ وَاقِعَةٌ، وَهَذَا بَعِيدٌ يُبْعِدُهُ التَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِالْمَوْصُولِ وَقَوْلُهُ: فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ. وَانْتَصَبَ حَذَرَ الْمَوْتِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَعَامِلُهُ خَرَجُوا.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ فَرُّوا مِنْ عَدِّوِهِمْ، مَعَ كَثْرَتِهِمْ، وَأَخْلَوْا لَهُ الدِّيَارَ، فَوَقَعَتْ لَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ مَصَائِبُ أَشْرَفُوا بِهَا عَلَى الْهَلَاكِ، ثُمَّ نَجَوْا، أَوْ أَوْبِئَةٌ وَأَمْرَاضٌ، كَانَتْ أَعْرَاضُهَا تُشْبِهُ أَعْرَاضَ الْمَوْتِ، مِثْلَ دَاءِ السَّكْتِ ثُمَّ بَرِئُوا مِنْهَا فَهُمْ فِي حَالِهِمْ تِلْكَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّاجِزِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015