فَلَا سُكْنَى لَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّوْجَةَ مَعَ الْوَصِيَّةِ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنَّ تَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ، وَبَيْنَ أَنْ تَخْرُجَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ وَالرَّبِيعُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ هِيَ وَصِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَزْوَاجِ بِلُزُومِ الْبُيُوتِ حَوْلًا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النِّسَاء: 11] وَقَوْلُهُ: وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [النِّسَاء: 12] فَذَلِكَ لَا يتَوَقَّف على إِيصَاءِ الْمُتَوَفِّينَ وَلَا عَلَى قَبُولِ الزَّوْجَاتِ، بَلْ هُوَ حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ يَجِبُ تَنْفِيذُهُ، وَعَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ لِأَزْواجِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِوَصِيَّةٍ، وَتَعَلُّقُهُ بِهِ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ لِعَدَمِ تَأَتِّي مَا قَرَّرَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

وَقَوْلُهُ: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ: تَقَدَّمَ مَعْنَى الْمَتَاعِ فِي قَوْلِهِ: مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [الْبَقَرَة: 236] وَالْمَتَاعُ هُنَا هُوَ السُّكْنَى، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى حَذْفِ فِعْلِهِ أَيْ لِيُمَتِّعُوهُنَّ مَتَاعًا، وَانْتَصَبَ مَتَاعًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِوَصِيَّةٍ وَالتَّقْدِيرُ وَصِيَّةٌ لِأَزْوَاجِهِمْ بِمَتَاعٍ. وَ (إِلَى) مُؤْذِنَةٌ بِشَيْءٍ جُعِلَتْ غَايَتُهُ الْحَوْلَ، وَتَقْدِيرُهُ مَتَاعًا بِسُكْنَى إِلَى الْحَوْلِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: غَيْرَ إِخْراجٍ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْحَوَلِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، وَهُوَ الْحَوَلُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي تَعْتَدُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَهُوَ كَتَعْرِيفِهِ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ (?) :

إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمِ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرَ

وَقَوْلُهُ: غَيْرَ إِخْراجٍ حَالٌ مِنْ مَتاعاً مُؤَكِّدَةً، أَوْ بَدَلٌ مِنْ مَتاعاً بَدَلًا مُطَابِقًا، وَالْعَرَبُ تُؤَكِّدُ الشَّيْءَ بِنَفْيِ ضِدِّهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى يَمْدَحُ بني أُميَّة:

خباء عَلَى الْمَنَابِرِ فُرْسَا ... نٌ عَلَيْهَا وَقَالَةٌ غَيْرُ خُرْسِ

وَقَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ هُوَ عَلَى قَوْلِ فِرْقَةٍ مَعْنَاهُ: فَإِنْ أَبَيْنَ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ فَخَرَجْنَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَعْرُوفِ عَدَا الْخِطْبَةِ وَالتَّزَوُّجِ، وَالتَّزَيُّنِ فِي الْعِدَّةِ، فَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015